الخميس، 19 سبتمبر 2013

جاهدوا أنفسكم عن المن

المن مذموم، وفي المثل:(من بيد أسداها) إذا قرع بها، وهذا يدل على أنه قطع الإحسان، ولقبح ذلك قيل: (المنة تهدم الصنيعة) قال أبو عبيد: رجل منونة، كثير الامتنان، بأن يقول: (خدمتك ونفعتك وسعيت في حاجتك). ويزداد الأمر سوءا إذا كان ذلك أمام الناس، إما تلميحا أو تصريحا، لما فيه من تكدير وتغيير تنكسر منه القلوب.
إن المن صفة مذمومة، والمتصف بها آثم، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل) وقال القرطبي: (المن غالبا يقع من البخيل والمعجب). وسمع ابن سيرين رجلا يقول لرجل: (فعلت إليك وفعلت. فقال ابن سيرين: اسكت فلا خير في المعروف إذا أحصي). وقال بعض البلغاء: (من من بمعروفه أسقط شكره) 
وقال الشاعر:
أفسدت بالمن ما أسديت من حسن ... ليس الكريم إذا أسدى بمنان 
قال يونس النحوي: (الأيدي ثلاث: يد بيضاء، ويد خضراء، ويد سوداء، فاليد البيضاء هي الابتداء بالمعروف، واليد الخضراء هي المكافئة على المعروف، واليد السوداء هي المن مع المعروف). إن من يمن بمعروفه وإحسانه لغيره، كمن يبني بيتا ثم يهدمه، أو كمن يغزل غزلا ثم ينقضه، فعلى التاجر أن لا يمن بما قدم لغيره، وعلى الوجيه أن لا يمن بشفاعته، وعلى كل من أسدى معروفا لأحد أن لا يمن بذلك، فإن المن له مرارة وغصة يتجرعها المستفيد من ذلك المعروف، يتمنى أنه لم ينتفع من المان، فالمن صفة دنيئة وخلق سيئ ينافي صفة الكرم والجود، ومن كانت فيه خصلة المن فليجاهد نفسه بمدافعتها ما استطاع، وليحتسب الأجر من الله فيما يصنع من معروف، ولا ينتظر شكرا ولا جزاء من أحد من البشر، وليخلص لله في ذلك، فلا يعمل معروفا طلبا للرياء والسمعة أو حبا لثناء الناس عليه في المجالس أو في وسائل الإعلام، فإن من علامات الإخلاص أن يكره المرء ذكر أعماله الخيرة في الناس.
عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري
خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير
المصدر

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20130919/Con20130919639724.htm
 

 

الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

مراكز التأهيل أما آنَ إنشاؤها؟!!

 مراكز التأهيل أما آنَ إنشاؤها؟!! 

سؤالٌ يرد على كثيرٍ من الناس, وأرى مناسبة الكلام عنه, لقلة طرقه والبحث فيه فيما أعلم, كما أنَّه تأخر كثيراً, وهو ألم يحن للجهات المعنية الوقت لإنشاء مراكز التأهيل والعلاج الطبيعي؟!! خصوصاً في هذا الوقت الذي ازدادت فيه أعداد المسافرين لأجله في الخارج, والمقصود من المقال دفع الهمم, وحثُّ الإرادة إلى تحقيق حلم إنشاء عددٍ من مراكز التأهيل بالعلاج الطبيعي, في كلِّ منطقةٍ حسب حاجتها, يفي بالغرض على أرقى المستويات العالميَّة, وأختصرُ الموضوع في نقاطٍ خشية الإطالة:
أولاً: أنَّ الداعي إلى طلب إنشاء مراكز التأهيل والعلاج الطبيعي هو الحاجة الملحة في تقديم الخدمة الطبيَّة لمن أصيبوا بإصابات يستلزم منها تأهيلهم؛ ليمارسوا حياتهم الطبيعيَّة مع أنفسهم وأهليهم ومع الآخرين, وليؤدوا دورهم المنشود فيما فيه رقيُّ هذا الوطن, ولئلا يصبحوا عالة على المجتمع.
ثانياً: إنَّ الحوادث المروريَّة في المملكة, هي من أعلى النسب عالمياً, وما ينجم عنها من كسورٍ وكدماتٍ ونحوها, تتطلب في كثيرٍ من الأحيان إلى العلاج الطبيعي, الذي هو مرحلةٌ أساسيةٌ في استكمال العلاج, وبما أنَّ هذه المراكز لا تتوفر أو هي على نطاقٍ ضيِّقٍ جداً, ولا تستوعب أعداد المرضى, وبتكاليف باهضة, إنْ أرسلته الدولة للعلاج في الخارج على حسابها, أو يضطر المريض أو ذووه إلى استكمال العلاج في الخارج على حسابهم لمن هو مستطيع, أو تبقى الحالة لتزداد سوءاً لعدم القدرة الماليَّة.
ثالثاً: إنَّ في إنشاء هذه المراكز التأهيليَّة, خدمةٌ جليلةٌ للمصابين من أبناء الوطن والمقيمين فيه, فيتمُّ علاجهم قريباً من أهاليهم, مما يعود بالأثر الطيب في نفوسهم, وكذلك تكفيهم عناء السفر للعلاج في الخارج, وما يصاحبه من ألم الغربة, وتشتت الأهل إذا طالت مدة العلاج, علاوة على التكاليف الماليَّة التي ترهق الكاهل.
رابعاً: إنَّ التأخر في إنشاء هذه المراكز مدعاةٌ للتأخر في تلقي العلاج اللازم للمريض, بل قد تزداد حاله سوءاً, ويتعسَّر علاجه أو يتباطأ, فينعكس ذلك على أسرته من زوجة وأولاد.
خامساً: إنَّ المبادرة لإنشاء هذه المراكز وتكثيفها, يعود نفعه على أبناء الوطن الوفيِّ الغالي, فالمصاب في الحوادث يجد فيها الرعاية الطبيَّة اللازمة لعلاجه, خصوصاً إذا كانت هذه المراكز ملحقة بالمستشفيات وتحت إشرافها, علاوة على ما توجده تلك المراكز من فرصٍ وظيفيَّة ٍكثيرةٍ لأبناء وبنات الوطن, وسيكون جزء منها لحلِّ مشكلة خريجي الدبلومات الصحيَّة الذين لم يجدوا وظائف, ولغيرهم من العاطلين عن العمل, وذلك بأنْ يعطوا دورات في العلاج الطبيعي والتأهيلي, كلٌّ حسب اختصاصه واستعداده, فيتمُّ استيعابهم, وتشغيل تلك المراكز وتزويدها بالمتخصصين المؤهلين, إضافة إلى افتتاح المعاهد التخصصيَّة لذلك الغرض؛ ليكون لدينا اكتفاءٌ ذاتيٌّ من الكوادر المؤهلة, وفي ذلك أيضاً استغناءٌ عن السفر للدول المعروفة حالياً بالعلاج الطبيعي, كالتشيك والهند وغيرهما.
سادساً: المناسبة البيئيَّة وتنوعها في بلادنا الغالية, عاملٌ من عوامل نجاح هذا المشروع الوطني الهام, فلدينا البيئة المشمسة الصحراويَّة, ولدينا البيئة المعتدلة, ولدينا البيئة الباردة الممطرة, ولدينا البيئة الساحليَّة, وفيها ما يجمع بين هذه المكونات, وكلُّ بيئةٍ منها لها اختصاصها في التأهيل المطلوب حسب حالة المريض.
وختاماً أتمنى أنْ يلقى هذا الاقتراح قبولاً, وأنْ يحظى بالمناقشة والطرح الجدِّي من المتخصصين والمهتمين, تُستنهض فيه الهمم للدراسات اللازمة, ومن ثم يتوَّج بمشروعٍ وطنيٍّ كبيرٍ تُوضع فيه اللبِنَةُ على اللبِنَة, فيتكامل البناء ضمن الخدمات الكريمة التي عهدها المواطن والمقيم من هذه الدولة الرشيدة المعطاء -حفظها الله وحرسها من كلِّ شرٍّ وسوء- واللهَ أسأل أنْ يوفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد بما يرضي الله جل وعلا. 

عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري

المقال على الرابط:

http://www.al-jazirah.com/2013/20130806/rj6.htm 

الأحد، 4 أغسطس 2013

المبتدعة أعداء السنة وعامل ضعفٍ في الأمَّة

قرأتُ ما كتبه الشيخ فهد بن سليمان التويجري في مقاله المنشور في العدد رقم (14886) بعنوان (خطرٌ قديمٌ يتجدد) والذي تحدث فيه عن خطورة المبتدعة فأجاد وأفاد -جزاه الله خيراً ونفع الله به- ومن باب المشاركة في هذا الموضوع أقول وبالله التوفيق: أولاً: إنَّ الأمة الإسلاميَّة في الحاضر المعاصر تعيش ضعفاً جرَّأَ الأعداء عليها, فعاثوا في أرض المسلمين فساداً وإفساداً, وما كان هذا الضعف إلا لضعف الاعتصام بالكتاب والسنة وبُعدِ المسلمين عن دينهم الذي هو مصدر عزتهم, قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله). ثانياً: أنَّ أعظم أسباب ضعف المسلمين تمكُّن أهل البدع في البلدان الإسلامية وتأثيرهم على مجريات الأحداث فيها, كما حصل من ابن أبي دُوَاد -القاضي- في خلافة المأمون وبسببه امتحن المأمون علماء الإسلام؛ لأجل أنْ يقولوا بأنَّ القرآن مخلوق, ولأجل ذلك عُذِّب الإمام أحمد بن حنبل وضرب بالسياط, وشُدَّ عليها الوثاق في مسيره إلى المامون حتى كاد أنْ يسقط بسبب ثقل ما ربط به, ومن شدة تعذيب المأمون والمعتصم له, يغشى عليه ويفقد وعيه- يغمى عليه- وفي زمن هذه الفتنة العظيمة انتشر أهل البدع وأظهروا بدعهم, وعُرِّبت كتب الفلاسفة اليونانيين التي زادت الأمة ضعفاً إلى ضعفها؛ لما فيها من السفسطة والعلوم البالية الهزيلة والخزعبلات ما لا يخفى على ذي لبٍّ, وعلى ذلك ضعف أهل السنة وامتحنوا وقوي أهل البدع وظهروا, ولم يزل الإمام احمد -رحمه الله- في حالٍ من السجن والتعذيب إلى أنْ تولى الخليفة الصالح ناصر السنة (المتوكل) رحمه الله فانتصر للسنة وأخرج الإمام أحمد من السجن في قصةٍ مشهورة, ذكرها كثيرٌ من علماء الإسلام. ونحن نشاهد الآن ظهور البدع في غالب البلدان الإسلاميَّة, وغربة أهل السنة والاجتماع على محاربتهم. ثالثاً: كثرة الطاعنين من المبتدعة في شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- واتهامه بالباطل, والتزهيد في دعوته, وأنها دعوةٌ لا تصلح في وقتنا الحاضر, وأنها دعوة تقليديَّة كما زعموا, وليس طعنهم لشخصه, بل لأنَّه أخذ على عاتقه دعوة الناس إلى التوحيد وإقامة الحجة على أهل البدع من القبوريين الذين يطوفون على القبور ويطلبون المدد من أصحابها, ويطلبون منه أنْ يشفي مريضهم, وتطلب منه المراة أنْ تحمل أو أنْ ترزق بزوج, فإن لم يتركوا ما هم عليه من تلك الشركيات بعد تبين الحق لهم, قاتلهم على ذلك, بمناصرةٍ من الإمام المجاهد محمد بن سعود -رحمه الله- فنصر الله هذه الدولة وأظهرها على غالب الجزيرة العربية, وزالت منها مظاهر الشرك والبدع وأعزَّ الله بها الإسلام وأهله, ورفعت راية السنة, وناصرت المسلمين في أماكن كثيرةٍ من العالم, وأنشأت المراكز الإسلاميَّة وأرسلت الدعاة والعلماء, فلله الحمد والمنَّة ونسأله سبحانه أنْ يحفظ المملكة العربيَّة السعوديَّة ويزيدها تمسكاً بالدين وثباتاً عليه ويزيدها قوةً إلى قوتها. رابعاً: وجوب اعتصام المسلمين بالكتاب والسنة وعدم جواز التفرق والتحزب, فما أضر الحزبيات المقيتة التي يصبح البعض ويمسي على موالاتها أو معاداتها, وأصبح أتباع كل حزبٍ يتهم أتباع الحزب الآخر, وكلٌّ منهم في نظره أنَّه متبعٌ للحق وسائرٌ عليه. فالجماعات اليوم تفرِّق ولا تجمع, وتهدم ولا تبني, ويجتمع فيها من المتناقضات ما يبين خللها والأسس التي بنيت عليها, أمَّا أهل السنة فهم جماعةٌ واحدةٌ لا جماعات, وحزبٌ واحدٌ لا حزبيَّات, يتبعون ولا يبتدعون, ولا يقدِّسون الأشخاص, بل يقدِّسون القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, ولا يقدمون عليها قول قائل, ولهما يوالون وعليهما يعادون, وبهما يعتصمون, وعليهما يجتمعون وبهما ينتصرون. خامساً: وجوب تحذير الأمة من البدع وأصحابها الذين يظهرونها, ووجوب الرد عليهم وبيان حالهم حتى لا يغتر بهم مغتر وهذا من النصيحة الواجبة وما زال العلماء يردون على المبتدعة, ويبيون العقيدة الصحيحة ويدعون الناس إليها بدءاً من علماء الصحابة من الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين, وفقهاء الصحابة ومنهم عبدالله بن مسعود, ومعاذ بن جبل, وحذيفة بن اليمان, وعبدالله بن عباس, وعبدالله بن عمر, وأبي موسى الأشعري وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. وكذلك من أتى بعدهم من التابعين وتابعيهم المقتفين أثرهم من الأئمة الأربعة ومحققي علماء الإسلام مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلامذته. 
وكذلك شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وإلى أتباعهم بإحسان. سادساً: حاجة الأمة إلى العلماء الذين يدعون إلى التوحيد؛ لما في العالم الإسلامي من أضرحةٍ على القبور, تزار و يمارس فيها الشركيَّات من دعاء أصحابها من دون الله والذبح والنذر لهم, فإذا هيَّأ الله علماء يدعون إلى توحيد الله ويحذرون وينهون عن كل ما يناقض التوحيد وزالت البدع والشركيَّات عن البلدان الإسلاميَّة, فليبشر المسلمون بالنصر والتمكين على الأعداء. سابعاً: خطورة الخوارج والشيعة بفرقهم المتعددة مثل الإسماعيليَّة والنصيريَّة والاثنا عشريَّة وخطورة المرجئة والجبرية والمعتزلة والصوفية, وغيرهم من الفرق الضالة من أعداء السنة, الذين يجتمعون كلهم على حرب السنة. ثامناً: وجوب العودة الحقيقية للعقيدة الصحيحة وأهمية غرسها في الأجيال القادمة ومجاهدة المخالفين لها بكلِّ ما نستطيع من قوة, فالعالم بقلمه ولسانه وبيانه, والحاكم بما آتاه الله من قوة, فمتى أعلن الجهاد وأمر بالنفير نصرةً للدين وجب الجهاد تحت لوائه أو مع من ينيب. تاسعاً: أنَّ كلَّ داعيةٍ للتوحيد سوف يتهم ويعادى وسيلقى من أذى المبتدعة شيئاً كثيراً, فعليه أنْ يحتسب ويصبر, فالعاقبة لأهل الحق مهما عاند أهل الباطل وكابروا, وما بعث الله الأنبياء والرسل إلا لدعوة الناس لتوحيد الله وإفراده بالعبادة وتحقيق كامل العبودية له جل وعلا. ودعاة التوحيد هم ورثة الأنبياء الذين ورثوا عنهم العقيدة الصحيحة وفقه الكتاب والسنة. عاشراً: أذكر بعض نقولات السلف الصالح في التحذير من المبتدعة, فعن نافع مولى ابن عمر- رضي الله عنهما- أنَّ صبيغاً العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فلما أتاه الرسول بالكتاب فقرأه، فقال: أين الرجل؟ فقال: في الرحل قال عمر: أبصر أنْ يكون ذهب فتصيبك مني به العقوبة الموجعة، فأتاه به، فقال عمر: تسأل محدثة، فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره دَبُرة ثم تركه حتى برأ، ثم عاد له، ثم تركه حتى برأ، فدعا به ليعود له، قال: فقال صبيغ: إنْ كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإنْ كنت تريد أنْ تداويني فقد والله برأت، فأذن له إلى أرضه، وكتب إلى أبي موسى الأشعري: أنْ لا يجالسه أحدٌ من المسلمين، فاشتدَّ ذلك على الرجل، فكتب أبو موسى إلى عمر: أنْ قد حسنت توبته، فكتب عمر: أنْ يأذن للناس بمجالسته» وقاعمر بن الخطاب- رضي الله عنه- «إيَّاكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أنْ يحفظوها، فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا». وعن أبيٍّ رضي الله عنه قال: (إنَّ اقتصاداً في سبيلٍ وسنةٍ خيرٌ من اجتهادٍ في خلاف سبيلٍ وسنَّة. فانظروا أنْ يكون عملكم إنْ كان اجتهاداً واقتصاداً أنْ يكون ذلك على منهاج الأنبياء وسنتهم» وعن عمر بن يحيى قال: سمعت أبي حدث عن أبيه قال: «كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعودٍ قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلمَّا خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيتُ في المسجد آنفا أمراً أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيراً، قال: فما هو؟ فقال: إنْ عشتَ فستراه، قال: رأيتُ في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقةٍ رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أنْ يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أنْ لا يضيع من حسناتهم، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقةً من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامنٌ أنْ لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمَّة محمدٍ ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملةٍ هي أهدى من ملة محمدٍ أومفتتحو باب ضلالة؟ قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريدٍ للخير لن يصيبه، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أنَّ قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الخلق، يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج». 
وعن قيس بن أبي حازم قال: «ذكر لابن مسعودٍ قاصٌّ يجلس بالليل ويقول للناس: قولوا كذا وقولوا كذا، فقال: إذا رأيتموه فأخبروني، قال: فأخبروه، فجاء عبد الله متقنعاً فقال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا عبد الله بن مسعود تعلمون أنكم لأهدى من محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابه أو إنكم لمتعلقون بذنب ضلالة» وقال: «إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر» وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:»كلُّ بدعةٍ ضلالة، وإنْ رآها الناس حسنة» وقال ابن عباس في قوله تعالى: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) أمَّا الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة وأولو العلم. وأمَّا الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة» وقال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-: «خذوا من الرأي ما يصدق من كان قبلكم، ولا تأخذوا ما هو خلاف لهم؛ فإنهم خير منكم وأعلم» وقال مجاهد في قوله تعالى-: (ولاتتبعوا السبل) قال: البدع والشبهات» وقال حسان بن عطية: «ما ابتدع قومٌ بدعةً في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة» وقال مالك: «بئس القوم هؤلاء أهل الأهواء لا يسلَّم عليهم» وقال ابن الماجشون: سمعت مالكاً -رحمه الله- يقول: «من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنةً فقد زعم أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأنَّ الله يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم) فما لم يكن يومئذٍ ديناً فلا يكون اليوم ديناً» وقال الفضيل بن عياض-رحمه الله-:»من جلس إلى صاحب بدعةٍ فاحذروه». وقال: «من أعان صاحب بدعةٍ فقد أعان على هدم الإسلام» وقال: «من زوَّج كريمته من مبتدعٍ فقد قطع رحمها». وقال الشافعي-رحمه الله-: «لأن يلقى الله العبد بكل ذنبٍ ما خلا الشرك خيرٌ له من أنْ يلقاه بشيءٍ من الأهواء». وهكذا أخي القارئ الكريم قد قرأت هذا الموضوع المهم الذي أسأل الله أنْ ينفع به كاتبه وقائله وقارئه وناشره, وأسأل الله أنْ يعز الأمة الإٍسلامية وأنْ يعيد لها سيادتها ويظهرها على أعدائها, إنَّه سميع مجيب. 
عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري - خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير
 
رابط المقال في صحيفة الجزيرة

الثلاثاء، 23 يوليو 2013

في عيادتي.. طرائف وفوائد

عنوان المقال هو عنوان لكتابٍ ألّفه الاستشاري الدكتور محمد بن عبدالله المفرّح – وفقه الله- وذكر سيرته الذاتية في آخر الكتاب، أنّه تخرّج في جامعة برلين الحرة في ألمانيا عام 1969م، تخصص الطب البشري، وعمل طبيباً عاماً في مستشفى طلال بالرياض(مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي حالياً) ثم مديراً عاماً للشؤون الصحيّة بمنطقة القصيم، ثم تعين استشارياً ورئيساً للقسم الباطني والجهاز الهضمي في مستشفى الرياض المركزي، ثم مديراً عاماً له عام 1404ه، وساهم في تحويله إلى مستشفى تعليمي للتخصصات الصحيّة، وعيّن استاذاً متعاوناً بكليّة الطب بجامعة الملك سعود مدة خمس سنوات من عام 1400ه، وعمل مديراً طبّياً لمستشفى التأمينات الاجتماعيّة بالرياض عام 1410-1411ه، وأحيل إلى التقاعد في عام 1411ه وافتتح مجمعاً لعياداته الخاصة بعد خدمة أربعةٍ وثلاثين عاماً.
أقول: مما حدثني به والدي -رحمه الله- قوله: (الدكتور محمد المفرّح طبيب يحرص على المراجعين فلا ينصرف من عيادته إلا بعد خلوها من المراجعين، ولو اضطره ذلك للبقاء بعد انتهاء فترة الدوام، وذلك عندما كان في مستشفى الرياض المركزي). وكنت أسمع والدي –رحمه الله– يثني على حذقه في الطب وينصح المرضى بمراجعته، ومن ذلك أني اشتكيت من ألمٍ في بطني فوجهني إليه فذهبت إليه في مجمع عياداته، وعمل التحاليل اللازمة، ومن ثم صرف الدواء المناسب، ولما طلبت منه أنْ يصرف لي الدواء مباشرة رفض وقال: لا بد من معرفة نتيجة التحاليل وعلى ضوئها يصرف العلاج.
وعوداً على بدءٍ فإنّ كتاب (عيادتي طرائف وفوائد من أحاديث المرضى) للدكتور محمد المفرّح -وفقه الله- أهداه إليّ العم الشيخ علي بن مشاري المشاري -حفظه الله- ومن حين وقع الكتاب في يدي لم أتركه حتى قرأته بالكامل، وذكر في المقدمة أنّ فكرة الكتاب مستوحاة من المرضى، إما بلفظها أو معناها، أو معناها وفحواها، في أساليب مختلفةٍ في وصف شكواهم، إما بعفويةٍ أو بمزاجيةٍ أو بحدةٍ أو بسخريةٍ أو بفلسفةٍ أو بشاعرية... إلى أنْ قال: وما هذا الكتيب إلا فيض من غيضٍ مما استفدته من مرضاي ومرافقيهم..) وفي هذا دليل على نسبة الفضل إلى أهله وهو من المزايا الحسنة. قال طرفة بن العبد:
ونصّ الحديث إلى أهله فإنّ الوثيقة في نصّه.
وقد وجدت في الكتاب متعةً وتسليةً ودرراً وأمثالاً وشواهد شعرية، التي غالبا ما تكون باللهجة النجدية، ولم أر كتاب طبيبٍ اتخذ مثل هذا الأسلوب، ففيه فكاهة غير متكلّفة، وفيه حكم وأمثال، وفيه جمع من الكلمات العاميّة التي بيّن معانيها والتي تهم بعض المهتمين بتاريخ نجد، وفيه أيضاً إيناس وترويح بأسلوبٍ شيق، ومن تلك الكلمات والأمثلة العامية التي أوردها: (الجمل يضلع من اذنه) (لا تصير مثل رضّاح العبس) (لا هنا ولا هناك، حطني تلقاني) (دلو ماء ودلو طين) (سلّم لي على الدكتور وغطّه بالسلام) (الصحة باطراف الجوع) (اشخله شخل يا دكتور) (بعير شمال) (اجفل من الدكتور كما يجفل الصيد من القنّاص) (الحماط اخو التين = سعيّد اخو مبارك) (واحد يسنّد وواحد يحدّر) (زينة الخلاخل والبلاء من داخل) (من بغى الدح ما قال أح) (يا من شرى له من حلاله علة) (مثل شخطة الشبّاب) (اذا مسكت ابا الحصين فاقطع ذنبه) (يا فر جيبي فرّاه)(وينك يا عظم الرجيع) (أوّل أكّل نماك لا يموت واليوم امنع نماك لا يموت) (مثل حيران الربيع) (من ورد على العدّ روّى) وقد بيّن المؤلف معاني ما قد يصعب فهمه من هذه الألفاظ والأمثال العاميّة، وفي صفحة (169) داعب المؤلف معالي وزير الصحة آنذاك بقصيدةٍ ظريفةٍ (عاميّة) عدد أبياتها عشرون بيتاً، قال في مطلعها:
هبّلونا بالجرايد يا حمدبالدعاية بالغوا كلنِ شهد
المشافي والمراكز جايرة غرّرت بالناس ولاحدن يرد
وما أحسب المؤلف إلا إنه أجاد وأفاد، وقد بيّن الدكتور أنّ تأليفه لم يكن لأجل الربح المادي، بل ذكر أنّ نصيبه منه سيخصص لصالح بعض الجمعيات الخيرية.
وأتمنى من صاحب كلّ مهنةٍ مثقفٍ متعلمٍ أنْ يكتب تجربته في حياته الوظيفيّة أو الاجتماعيّة عموماً، فلن يخلو كتاب من فائدة.
وشكراً لمؤلف الكتاب الاستشاري الدكتور محمد بن عبدالله المفرّح على هذا الكتاب الماتع.

رابط المصدر
http://riy.cc/853155ِ

الجمعة، 28 يونيو 2013

من آداب زيارة المريض

من حق المسلم على المسلم عيادته إذا مرض، ومما ورد في فضل زيارة المريض قوله صلى الله عليه وسلم:( من عاد مريضاً، لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع) رواه مسلم. وخرفة الجنة هي جناها. فما أعظم هذا الفضل وأجلَّه، ولعيادة المريض آدابٌ منها:
أولاً: تطمينه وتذكيره بالثواب العظيم على المرض الذي ابتلاه الله به، وأنَّه طهورٌ للمؤمن، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريضٍ يعوده يقول:( لا بأس طهورٌ إنْ شاء الله) رواه البخاري. وكذلك يذكر له أنَّ المرض يُذهب الله به الخطايا، عن أمِّ العلاء رضي الله عنها قالت: عادني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضةٌ، فقال:( أَبْشري يا أمَّ العلاء، فإنَّ مرضَ المسلم يُذهبُ اللهُ به خطاياه كما تُذهبُ النارُ خَبَثَ الذهب والفضة ) صححه الألباني، ويذكِّره بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:( عجباً لأمر المؤمن، إنَّ أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إنْ أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإنْ أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم، فإنَّ في ذلك تأنيساً للمريض وتطميناً له.
ثانياً: الدعاء له بأنْ يشفيه الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرارٍ: أسال الله العظيم رب العرش العظيم أنْ يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض ) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن وصححه الألباني.
ثالثاً: عدم إطالة الزيارة فإنَّ المريض تمرُّ عليه الدقيقة كالساعة؛ لما يجد من ألم مرضه، ولا يغرنَّك صبره وتحمُّله وحسن استقباله لك في أنْ تطيل عليه، فخفِّف خفَّف الله عنك، وارفق به رفق الله بك، وعليك أنْ تختار الوقت المناسب للزيارة بسؤال المريض أو مرافقه، لئلا تعوده في وقتٍ غير مناسب.
رابعاً: إنْ غلب على ظنك أنَّه يحب أنْ ترقيه الرقية الشرعية فلا تتردد في ذلك, أثابك الله. 
خامساً: لا يحسن بالزائر تقطيب الجبين أو البكاء عند المريض؛ لأجل ما حل به من مرض، وأنْ لا يذكر له أحوالاً مشابهةً لمرضه فيها إدخال اليأس من الشفاء.
سادساً: أنْ لا يصف له دواء من الأدوية العشبية المجرَّبة إلا إذا كان الواصف طبيباً حاذقاً، له معرفة بتشخيص حالته المرضية ومعرفة ما يصلح له من تلك الأدوية ومالا يصلح.
سابعاً: على الزائر أنْ يقلل من السؤال للمريض، وأنْ يظهر الاهتمام به، وأنْ لا يوقع اللوم على عليه فيما حلَّ به من مرض، كأن يقول له: ما أصبت بالمرض إلا بسبب غضبك، أو لعدم صبرك، أو لحرصك الزائد، أو لإهمالك نفسك وغيرها.
ثامناً: أنْ يغض الزائر بصره عما لا شأن له به، مما هو متعلقٌ بالمريض.
وختام القول أسأل الله أنْ يشفي مرضى المسلمين جميعاً، وأنْ ينفعنا بما نقول ونسمع.

http://www.alriyadh.com/2013/06/19/article845092.html

الأحد، 16 يونيو 2013

الإجازة الصيفية ما بين مستثمرٍ ومضيِّع


لا يقدِّر فضل الوقت إلا الموفق الذي يعلم أنَّه مسؤول عن عمره فيما أفناه، أفي طاعةٍ أم في معصية؟ وهاهي الإجازة الصيفية للطلاب حطت رحالها، فمن مستثمرٍ لها فيما ينفع في الدنيا والآخرة، ومن مضيِّعٍ وقته بلا فائدة، منهمكٌ في الملهيات لا يكاد ينفكُّ عنها ولا يحزنه إمضاء وقته فيها ولا إتلاف ماله لأجل رغبات نفسه وشهواتها، وقد تجرُّه نفسه الأمَّارة بالسوء بالتفريط في شأن الصلاة، فلا يصليها مع الجماعة في بيوت الله، بل قد يؤخرها عن وقتها، ومن تهاون في أعظم ركنٍ بعد الشهادتين، فلا غرابة أنْ يقصِّر في خدمة والديه، بل قد يصل الحال إلى عقوقهما وقطيعة الرحم، والسهر على ما حرَّم الله… فيغرق في أوحال المعاصي التي تجرُّ بعضها بعضاً، وبعضها مرتبطٌ ببعض، خصوصاً إذا اقترن الطالب بقرناء السوء الذين يأمرونه بفعل المحرمات وترك الطاعات، فيعيش حياة الشقاء والبؤس وتتسابق إليه الهموم والغموم ويضيق صدره، وتسوء أخلاقه، ويتغيَّر سلوكه، فالحذر من ذلك أيها الطالب واحرص على معالي الأمور، ودع عنك أسافلها.
وفي المقابل نرى ثلة من الطلاب -وفقهم الله لما ينفعهم- قد علت هممهم، وقويت عزائمهم في فعل نوافل الطاعات، وطلب العلم الشرعي في المساجد، وفي حضور الدورات العلميَّة المكثفة فيها، وفي التسجيل في البرامج الصيفيَّة في حفظ القرآن الكريم في المساجد، وفي الالتحاق بدورةٍ من الدورات التدريبيَّة في مراكز التدريب المعتمدة في شتى العلوم النافعة بمجالاتها الواسعة كعلوم الحاسب الآلي وغيرها.
إنَّ الطالب الموفق هو الذي ينظِّم وقته بما يملأ به فراغه، فلا تراه يشتكي من الملل وضيق الصدر؛ لأنه أشغل نفسه بما ينفعه وأصبح عضواً فاعلاً في نطاق أسرته ومجتمعه، فجعل من وقته شيئاً لقراءة القرآن الكريم، وشيئاً لقراءة صحيح السنة النبوية، كأن يقرأ في صحيح البخاري ومسلم، ويحفظ منهما حديثاً أو حديثين بصفةٍ يوميَّة، وفي قراءة الكتب التأصيليَّة وحفظ المتون العلميَّة، وفي المشاركة في المناشط الدعوية والأعمال الخيريَّة، أو في مزاولة مشروعٍ تجاري مؤقتٍ ينتفع به، ويصل والديه ما داما على قيد الحياة، ويقضي حاجتهما، ويجتهد في برهما، ولا يُقدِّم عليهما صديقاً، ويصل رحمه، ولا أقلَّ من حضور المناسبات الأسرية، ويصل أصدقاء أبيه أو أمِّه اللذين ماتا، ويساهم في العمل الخيري إمَّا بجهده أو بماله، ويصاحب الأخيار، وذلك بأنْ ينتقي أصحابه كما ينتقي أطيب الثمر، ولا ينسى زيارة أقاربه وعيادة المرضى، وغيرها من فضائل الأعمال، فاحرص أيها الطالب على حفظ وقتك واستغلاله فيما يعود عليك نفعه في دنياك وآخرتك.
كما أنَّ على أولياء أمور الطلاب أنْ يحرصوا على تربية أبنائهم ويكونوا قريبين منهم ويتعرفوا على أصدقائهم الذين يجالسونهم، ويمدوا أيديهم الحانية إليهم ويوجهونهم التوجيه النافع. وأسأل الله أنْ يصلح أبناءنا وبناتنا، ويحفظهم ويوفقهم لفعل الخيرات والعمل بطاعة ربِّ الأرض والسماوات.


الرابط

http://www.alsharq.net.sa/2013/06/10/862820
 

الاثنين، 27 مايو 2013

طريقك إلى السعادة بالقناعة

القناعة مفتاحٌ عظيمٌ من مفاتيح السعادة، بل هو الركن الأقوى للحصول على السعادة، والقناعةُ هي الرضا بما قَسَمَ الله لعبده من الرزق، وكثيرٌ من الناس في هذا الزمن إلا من رحم الله حُرموا القناعة، فأصابهم من التعاسة والشقاء ما أصابهم، وانتشرت الأمراض النفسية التي لم تكن معروفة من قبل في بلادنا، وعدم القناعة بما قَسَمَ الله يجرُّ إلى محظوراتٍ منها الحسد والكذب وأكل المال الحرام والغيبة والنميمة وغيرها من الآفات، وإنَّه من حسن إسلام المرء قناعته بما قَسَمَ الله، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد أفلح من أسلم، ورُزقَ كفافاً، وقنَّعه الله بما آتاه) أخرجه مسلم (1054)، فالقناعة ركنٌ ركينٌ للفلاح في الدنيا والآخرة، ومن المعلوم أنَّ النفس تطمح إلى أنْ تتبوأ أرفع المقامات، وأنْ تكون ممن يشار إليها بالبنان، وتتمنى لو حازت من الأموال الطائلة ما يجعل لها المكانة العالية لدى الخاص والعام، ولأجل هذا تجد غالب هؤلاء ينظرون إلى ما في أيدي الناس من الخيرات والأرزاق التي منَّ الله بها عليهم، إلى أنْ وصل الحال ببعضهم أنْ يحسب ما يدخل على فلانٍ من الأموال بصفةٍ شهرية، وتجده دائماً يردد: فلانٌ يملك كذا وكذا، ويأخذ في تعديد أمواله حتى كأنه موكل بمعرفتها وحصرها، وهذا الصنف من الناس تجده دائم الهم والغم، ضائق الصدر حزيناً، يغضب لأتفه الأسباب، لذا كان التوجيه النبوي بأنْ ينظر المرء إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من فوقه في أمور الدنيا ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله) أخرجه البخاري الفتح (11-6490) ومسلم (2963) واللفظ له. ولو تمعن المرء هذا الحديث وطبَّقه في حياته لما رأيت الحسد، ولما رأيت كفران النعم ونكرانها، ولما رأيت المتسخِّط ولا المتشكي في الناس، ولرأيت الرضا وتمام الشكر لله على عموم نعمه، وعلى من ابتلي بعدم القناعة أو خشي على نفسه الوقوع في ذلك أنْ يدعوَ بما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبةٍ لي بخير) أخرجه الحاكم في المستدرك (2-445) وقال صحيح الإسناد، وأخرجه ابن السني في القناعة (57) وقال مخرجه: سنده صحيح ورجاله ثقات جميعاً.كما إنَّ على المرأنْ ييأس مما في أيدي الناس قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنَّ الطمع فقرٌ، وإنَّ اليأس غنى، إنَّه من ييأس عمَّا في أيدي الناس استغنى عنهم) انتهى، ولا شك أنَّ تعويد الإنسان نفسه على القناعة أمرٌ محمودٌ ممدوحٌ، قال أبو ذؤيب الهذلي:
والنفس راغبة إذا رغَّبتها

وإذا تُردُّ إلى قليل تقنعُ
وقال ابن القيم كما في تهذيب مدارج السالكين: (يكمل غنى القلب بغنىً آخر هو غنى النفس وآيته: سلامتها من الحظوظ وبراءتها من المراءاة) انتهى وقال بعض الحكماء: (وجدتُ أطول الناس غمَّاً الحسود، وأهنأهم عيشاً القنوع، وأصبرهم على الأذى الحريص إذا طمع، وأخفضهم عيشاً أرفضهم للدنيا، وأعظمهم ندامة العالم المفرِّط) وقال بعضهم: (ازهد بما عند الناس يحبّك الناس، وارغب فيما عند الله يحبّك الله) وسُئل بعض الحكماء: ما الغنى ؟ قال: (قلة تمنيك، ورضاك بما يكفيك) قال الشاعر:

إنَّ القناعة من يحلل بساحتها

لم يلق في ظلها همَّاً يؤرقه
وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -:

رأيتُ القناعة رأسُ الغنى

فصرتُ بأذيالها ممتسكْ

فلا ذا يراني على بابه

ولا ذا يراني به منهمكْ

فصرتُ غنيَّاً بلا درهمٍ

أمرُّ على الناس شبه الملكْ
ومن فوائد القناعة أنها من كمال الإيمان وحسن الإسلام، فالقنوع يحبّه الله ويحبّه الناس، ويجد سعادة في النفس بما قُسم له من الدنيا، ومن فوائدها إشاعة الألفة والمحبة بين الناس، ومما تقدَّم من قولٍ حول القناعة يتبين أهميَّة التخلق بهذا الخلق النبيل، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا واغفر لنا واعف عنَّا يا أرحم الراحمين.

http://www.al-jazirah.com.sa/2011/20110717/rj2.htm