الخميس، 19 سبتمبر 2013

جاهدوا أنفسكم عن المن

المن مذموم، وفي المثل:(من بيد أسداها) إذا قرع بها، وهذا يدل على أنه قطع الإحسان، ولقبح ذلك قيل: (المنة تهدم الصنيعة) قال أبو عبيد: رجل منونة، كثير الامتنان، بأن يقول: (خدمتك ونفعتك وسعيت في حاجتك). ويزداد الأمر سوءا إذا كان ذلك أمام الناس، إما تلميحا أو تصريحا، لما فيه من تكدير وتغيير تنكسر منه القلوب.
إن المن صفة مذمومة، والمتصف بها آثم، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل) وقال القرطبي: (المن غالبا يقع من البخيل والمعجب). وسمع ابن سيرين رجلا يقول لرجل: (فعلت إليك وفعلت. فقال ابن سيرين: اسكت فلا خير في المعروف إذا أحصي). وقال بعض البلغاء: (من من بمعروفه أسقط شكره) 
وقال الشاعر:
أفسدت بالمن ما أسديت من حسن ... ليس الكريم إذا أسدى بمنان 
قال يونس النحوي: (الأيدي ثلاث: يد بيضاء، ويد خضراء، ويد سوداء، فاليد البيضاء هي الابتداء بالمعروف، واليد الخضراء هي المكافئة على المعروف، واليد السوداء هي المن مع المعروف). إن من يمن بمعروفه وإحسانه لغيره، كمن يبني بيتا ثم يهدمه، أو كمن يغزل غزلا ثم ينقضه، فعلى التاجر أن لا يمن بما قدم لغيره، وعلى الوجيه أن لا يمن بشفاعته، وعلى كل من أسدى معروفا لأحد أن لا يمن بذلك، فإن المن له مرارة وغصة يتجرعها المستفيد من ذلك المعروف، يتمنى أنه لم ينتفع من المان، فالمن صفة دنيئة وخلق سيئ ينافي صفة الكرم والجود، ومن كانت فيه خصلة المن فليجاهد نفسه بمدافعتها ما استطاع، وليحتسب الأجر من الله فيما يصنع من معروف، ولا ينتظر شكرا ولا جزاء من أحد من البشر، وليخلص لله في ذلك، فلا يعمل معروفا طلبا للرياء والسمعة أو حبا لثناء الناس عليه في المجالس أو في وسائل الإعلام، فإن من علامات الإخلاص أن يكره المرء ذكر أعماله الخيرة في الناس.
عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري
خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير
المصدر

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20130919/Con20130919639724.htm
 

 

الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

مراكز التأهيل أما آنَ إنشاؤها؟!!

 مراكز التأهيل أما آنَ إنشاؤها؟!! 

سؤالٌ يرد على كثيرٍ من الناس, وأرى مناسبة الكلام عنه, لقلة طرقه والبحث فيه فيما أعلم, كما أنَّه تأخر كثيراً, وهو ألم يحن للجهات المعنية الوقت لإنشاء مراكز التأهيل والعلاج الطبيعي؟!! خصوصاً في هذا الوقت الذي ازدادت فيه أعداد المسافرين لأجله في الخارج, والمقصود من المقال دفع الهمم, وحثُّ الإرادة إلى تحقيق حلم إنشاء عددٍ من مراكز التأهيل بالعلاج الطبيعي, في كلِّ منطقةٍ حسب حاجتها, يفي بالغرض على أرقى المستويات العالميَّة, وأختصرُ الموضوع في نقاطٍ خشية الإطالة:
أولاً: أنَّ الداعي إلى طلب إنشاء مراكز التأهيل والعلاج الطبيعي هو الحاجة الملحة في تقديم الخدمة الطبيَّة لمن أصيبوا بإصابات يستلزم منها تأهيلهم؛ ليمارسوا حياتهم الطبيعيَّة مع أنفسهم وأهليهم ومع الآخرين, وليؤدوا دورهم المنشود فيما فيه رقيُّ هذا الوطن, ولئلا يصبحوا عالة على المجتمع.
ثانياً: إنَّ الحوادث المروريَّة في المملكة, هي من أعلى النسب عالمياً, وما ينجم عنها من كسورٍ وكدماتٍ ونحوها, تتطلب في كثيرٍ من الأحيان إلى العلاج الطبيعي, الذي هو مرحلةٌ أساسيةٌ في استكمال العلاج, وبما أنَّ هذه المراكز لا تتوفر أو هي على نطاقٍ ضيِّقٍ جداً, ولا تستوعب أعداد المرضى, وبتكاليف باهضة, إنْ أرسلته الدولة للعلاج في الخارج على حسابها, أو يضطر المريض أو ذووه إلى استكمال العلاج في الخارج على حسابهم لمن هو مستطيع, أو تبقى الحالة لتزداد سوءاً لعدم القدرة الماليَّة.
ثالثاً: إنَّ في إنشاء هذه المراكز التأهيليَّة, خدمةٌ جليلةٌ للمصابين من أبناء الوطن والمقيمين فيه, فيتمُّ علاجهم قريباً من أهاليهم, مما يعود بالأثر الطيب في نفوسهم, وكذلك تكفيهم عناء السفر للعلاج في الخارج, وما يصاحبه من ألم الغربة, وتشتت الأهل إذا طالت مدة العلاج, علاوة على التكاليف الماليَّة التي ترهق الكاهل.
رابعاً: إنَّ التأخر في إنشاء هذه المراكز مدعاةٌ للتأخر في تلقي العلاج اللازم للمريض, بل قد تزداد حاله سوءاً, ويتعسَّر علاجه أو يتباطأ, فينعكس ذلك على أسرته من زوجة وأولاد.
خامساً: إنَّ المبادرة لإنشاء هذه المراكز وتكثيفها, يعود نفعه على أبناء الوطن الوفيِّ الغالي, فالمصاب في الحوادث يجد فيها الرعاية الطبيَّة اللازمة لعلاجه, خصوصاً إذا كانت هذه المراكز ملحقة بالمستشفيات وتحت إشرافها, علاوة على ما توجده تلك المراكز من فرصٍ وظيفيَّة ٍكثيرةٍ لأبناء وبنات الوطن, وسيكون جزء منها لحلِّ مشكلة خريجي الدبلومات الصحيَّة الذين لم يجدوا وظائف, ولغيرهم من العاطلين عن العمل, وذلك بأنْ يعطوا دورات في العلاج الطبيعي والتأهيلي, كلٌّ حسب اختصاصه واستعداده, فيتمُّ استيعابهم, وتشغيل تلك المراكز وتزويدها بالمتخصصين المؤهلين, إضافة إلى افتتاح المعاهد التخصصيَّة لذلك الغرض؛ ليكون لدينا اكتفاءٌ ذاتيٌّ من الكوادر المؤهلة, وفي ذلك أيضاً استغناءٌ عن السفر للدول المعروفة حالياً بالعلاج الطبيعي, كالتشيك والهند وغيرهما.
سادساً: المناسبة البيئيَّة وتنوعها في بلادنا الغالية, عاملٌ من عوامل نجاح هذا المشروع الوطني الهام, فلدينا البيئة المشمسة الصحراويَّة, ولدينا البيئة المعتدلة, ولدينا البيئة الباردة الممطرة, ولدينا البيئة الساحليَّة, وفيها ما يجمع بين هذه المكونات, وكلُّ بيئةٍ منها لها اختصاصها في التأهيل المطلوب حسب حالة المريض.
وختاماً أتمنى أنْ يلقى هذا الاقتراح قبولاً, وأنْ يحظى بالمناقشة والطرح الجدِّي من المتخصصين والمهتمين, تُستنهض فيه الهمم للدراسات اللازمة, ومن ثم يتوَّج بمشروعٍ وطنيٍّ كبيرٍ تُوضع فيه اللبِنَةُ على اللبِنَة, فيتكامل البناء ضمن الخدمات الكريمة التي عهدها المواطن والمقيم من هذه الدولة الرشيدة المعطاء -حفظها الله وحرسها من كلِّ شرٍّ وسوء- واللهَ أسأل أنْ يوفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد بما يرضي الله جل وعلا. 

عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري

المقال على الرابط:

http://www.al-jazirah.com/2013/20130806/rj6.htm 

الأحد، 4 أغسطس 2013

المبتدعة أعداء السنة وعامل ضعفٍ في الأمَّة

قرأتُ ما كتبه الشيخ فهد بن سليمان التويجري في مقاله المنشور في العدد رقم (14886) بعنوان (خطرٌ قديمٌ يتجدد) والذي تحدث فيه عن خطورة المبتدعة فأجاد وأفاد -جزاه الله خيراً ونفع الله به- ومن باب المشاركة في هذا الموضوع أقول وبالله التوفيق: أولاً: إنَّ الأمة الإسلاميَّة في الحاضر المعاصر تعيش ضعفاً جرَّأَ الأعداء عليها, فعاثوا في أرض المسلمين فساداً وإفساداً, وما كان هذا الضعف إلا لضعف الاعتصام بالكتاب والسنة وبُعدِ المسلمين عن دينهم الذي هو مصدر عزتهم, قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله). ثانياً: أنَّ أعظم أسباب ضعف المسلمين تمكُّن أهل البدع في البلدان الإسلامية وتأثيرهم على مجريات الأحداث فيها, كما حصل من ابن أبي دُوَاد -القاضي- في خلافة المأمون وبسببه امتحن المأمون علماء الإسلام؛ لأجل أنْ يقولوا بأنَّ القرآن مخلوق, ولأجل ذلك عُذِّب الإمام أحمد بن حنبل وضرب بالسياط, وشُدَّ عليها الوثاق في مسيره إلى المامون حتى كاد أنْ يسقط بسبب ثقل ما ربط به, ومن شدة تعذيب المأمون والمعتصم له, يغشى عليه ويفقد وعيه- يغمى عليه- وفي زمن هذه الفتنة العظيمة انتشر أهل البدع وأظهروا بدعهم, وعُرِّبت كتب الفلاسفة اليونانيين التي زادت الأمة ضعفاً إلى ضعفها؛ لما فيها من السفسطة والعلوم البالية الهزيلة والخزعبلات ما لا يخفى على ذي لبٍّ, وعلى ذلك ضعف أهل السنة وامتحنوا وقوي أهل البدع وظهروا, ولم يزل الإمام احمد -رحمه الله- في حالٍ من السجن والتعذيب إلى أنْ تولى الخليفة الصالح ناصر السنة (المتوكل) رحمه الله فانتصر للسنة وأخرج الإمام أحمد من السجن في قصةٍ مشهورة, ذكرها كثيرٌ من علماء الإسلام. ونحن نشاهد الآن ظهور البدع في غالب البلدان الإسلاميَّة, وغربة أهل السنة والاجتماع على محاربتهم. ثالثاً: كثرة الطاعنين من المبتدعة في شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- واتهامه بالباطل, والتزهيد في دعوته, وأنها دعوةٌ لا تصلح في وقتنا الحاضر, وأنها دعوة تقليديَّة كما زعموا, وليس طعنهم لشخصه, بل لأنَّه أخذ على عاتقه دعوة الناس إلى التوحيد وإقامة الحجة على أهل البدع من القبوريين الذين يطوفون على القبور ويطلبون المدد من أصحابها, ويطلبون منه أنْ يشفي مريضهم, وتطلب منه المراة أنْ تحمل أو أنْ ترزق بزوج, فإن لم يتركوا ما هم عليه من تلك الشركيات بعد تبين الحق لهم, قاتلهم على ذلك, بمناصرةٍ من الإمام المجاهد محمد بن سعود -رحمه الله- فنصر الله هذه الدولة وأظهرها على غالب الجزيرة العربية, وزالت منها مظاهر الشرك والبدع وأعزَّ الله بها الإسلام وأهله, ورفعت راية السنة, وناصرت المسلمين في أماكن كثيرةٍ من العالم, وأنشأت المراكز الإسلاميَّة وأرسلت الدعاة والعلماء, فلله الحمد والمنَّة ونسأله سبحانه أنْ يحفظ المملكة العربيَّة السعوديَّة ويزيدها تمسكاً بالدين وثباتاً عليه ويزيدها قوةً إلى قوتها. رابعاً: وجوب اعتصام المسلمين بالكتاب والسنة وعدم جواز التفرق والتحزب, فما أضر الحزبيات المقيتة التي يصبح البعض ويمسي على موالاتها أو معاداتها, وأصبح أتباع كل حزبٍ يتهم أتباع الحزب الآخر, وكلٌّ منهم في نظره أنَّه متبعٌ للحق وسائرٌ عليه. فالجماعات اليوم تفرِّق ولا تجمع, وتهدم ولا تبني, ويجتمع فيها من المتناقضات ما يبين خللها والأسس التي بنيت عليها, أمَّا أهل السنة فهم جماعةٌ واحدةٌ لا جماعات, وحزبٌ واحدٌ لا حزبيَّات, يتبعون ولا يبتدعون, ولا يقدِّسون الأشخاص, بل يقدِّسون القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, ولا يقدمون عليها قول قائل, ولهما يوالون وعليهما يعادون, وبهما يعتصمون, وعليهما يجتمعون وبهما ينتصرون. خامساً: وجوب تحذير الأمة من البدع وأصحابها الذين يظهرونها, ووجوب الرد عليهم وبيان حالهم حتى لا يغتر بهم مغتر وهذا من النصيحة الواجبة وما زال العلماء يردون على المبتدعة, ويبيون العقيدة الصحيحة ويدعون الناس إليها بدءاً من علماء الصحابة من الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين, وفقهاء الصحابة ومنهم عبدالله بن مسعود, ومعاذ بن جبل, وحذيفة بن اليمان, وعبدالله بن عباس, وعبدالله بن عمر, وأبي موسى الأشعري وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. وكذلك من أتى بعدهم من التابعين وتابعيهم المقتفين أثرهم من الأئمة الأربعة ومحققي علماء الإسلام مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلامذته. 
وكذلك شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وإلى أتباعهم بإحسان. سادساً: حاجة الأمة إلى العلماء الذين يدعون إلى التوحيد؛ لما في العالم الإسلامي من أضرحةٍ على القبور, تزار و يمارس فيها الشركيَّات من دعاء أصحابها من دون الله والذبح والنذر لهم, فإذا هيَّأ الله علماء يدعون إلى توحيد الله ويحذرون وينهون عن كل ما يناقض التوحيد وزالت البدع والشركيَّات عن البلدان الإسلاميَّة, فليبشر المسلمون بالنصر والتمكين على الأعداء. سابعاً: خطورة الخوارج والشيعة بفرقهم المتعددة مثل الإسماعيليَّة والنصيريَّة والاثنا عشريَّة وخطورة المرجئة والجبرية والمعتزلة والصوفية, وغيرهم من الفرق الضالة من أعداء السنة, الذين يجتمعون كلهم على حرب السنة. ثامناً: وجوب العودة الحقيقية للعقيدة الصحيحة وأهمية غرسها في الأجيال القادمة ومجاهدة المخالفين لها بكلِّ ما نستطيع من قوة, فالعالم بقلمه ولسانه وبيانه, والحاكم بما آتاه الله من قوة, فمتى أعلن الجهاد وأمر بالنفير نصرةً للدين وجب الجهاد تحت لوائه أو مع من ينيب. تاسعاً: أنَّ كلَّ داعيةٍ للتوحيد سوف يتهم ويعادى وسيلقى من أذى المبتدعة شيئاً كثيراً, فعليه أنْ يحتسب ويصبر, فالعاقبة لأهل الحق مهما عاند أهل الباطل وكابروا, وما بعث الله الأنبياء والرسل إلا لدعوة الناس لتوحيد الله وإفراده بالعبادة وتحقيق كامل العبودية له جل وعلا. ودعاة التوحيد هم ورثة الأنبياء الذين ورثوا عنهم العقيدة الصحيحة وفقه الكتاب والسنة. عاشراً: أذكر بعض نقولات السلف الصالح في التحذير من المبتدعة, فعن نافع مولى ابن عمر- رضي الله عنهما- أنَّ صبيغاً العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فلما أتاه الرسول بالكتاب فقرأه، فقال: أين الرجل؟ فقال: في الرحل قال عمر: أبصر أنْ يكون ذهب فتصيبك مني به العقوبة الموجعة، فأتاه به، فقال عمر: تسأل محدثة، فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره دَبُرة ثم تركه حتى برأ، ثم عاد له، ثم تركه حتى برأ، فدعا به ليعود له، قال: فقال صبيغ: إنْ كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإنْ كنت تريد أنْ تداويني فقد والله برأت، فأذن له إلى أرضه، وكتب إلى أبي موسى الأشعري: أنْ لا يجالسه أحدٌ من المسلمين، فاشتدَّ ذلك على الرجل، فكتب أبو موسى إلى عمر: أنْ قد حسنت توبته، فكتب عمر: أنْ يأذن للناس بمجالسته» وقاعمر بن الخطاب- رضي الله عنه- «إيَّاكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أنْ يحفظوها، فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا». وعن أبيٍّ رضي الله عنه قال: (إنَّ اقتصاداً في سبيلٍ وسنةٍ خيرٌ من اجتهادٍ في خلاف سبيلٍ وسنَّة. فانظروا أنْ يكون عملكم إنْ كان اجتهاداً واقتصاداً أنْ يكون ذلك على منهاج الأنبياء وسنتهم» وعن عمر بن يحيى قال: سمعت أبي حدث عن أبيه قال: «كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعودٍ قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلمَّا خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيتُ في المسجد آنفا أمراً أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيراً، قال: فما هو؟ فقال: إنْ عشتَ فستراه، قال: رأيتُ في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقةٍ رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أنْ يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أنْ لا يضيع من حسناتهم، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقةً من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامنٌ أنْ لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمَّة محمدٍ ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملةٍ هي أهدى من ملة محمدٍ أومفتتحو باب ضلالة؟ قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريدٍ للخير لن يصيبه، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أنَّ قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الخلق، يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج». 
وعن قيس بن أبي حازم قال: «ذكر لابن مسعودٍ قاصٌّ يجلس بالليل ويقول للناس: قولوا كذا وقولوا كذا، فقال: إذا رأيتموه فأخبروني، قال: فأخبروه، فجاء عبد الله متقنعاً فقال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا عبد الله بن مسعود تعلمون أنكم لأهدى من محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابه أو إنكم لمتعلقون بذنب ضلالة» وقال: «إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر» وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:»كلُّ بدعةٍ ضلالة، وإنْ رآها الناس حسنة» وقال ابن عباس في قوله تعالى: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) أمَّا الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة وأولو العلم. وأمَّا الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة» وقال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-: «خذوا من الرأي ما يصدق من كان قبلكم، ولا تأخذوا ما هو خلاف لهم؛ فإنهم خير منكم وأعلم» وقال مجاهد في قوله تعالى-: (ولاتتبعوا السبل) قال: البدع والشبهات» وقال حسان بن عطية: «ما ابتدع قومٌ بدعةً في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة» وقال مالك: «بئس القوم هؤلاء أهل الأهواء لا يسلَّم عليهم» وقال ابن الماجشون: سمعت مالكاً -رحمه الله- يقول: «من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنةً فقد زعم أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأنَّ الله يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم) فما لم يكن يومئذٍ ديناً فلا يكون اليوم ديناً» وقال الفضيل بن عياض-رحمه الله-:»من جلس إلى صاحب بدعةٍ فاحذروه». وقال: «من أعان صاحب بدعةٍ فقد أعان على هدم الإسلام» وقال: «من زوَّج كريمته من مبتدعٍ فقد قطع رحمها». وقال الشافعي-رحمه الله-: «لأن يلقى الله العبد بكل ذنبٍ ما خلا الشرك خيرٌ له من أنْ يلقاه بشيءٍ من الأهواء». وهكذا أخي القارئ الكريم قد قرأت هذا الموضوع المهم الذي أسأل الله أنْ ينفع به كاتبه وقائله وقارئه وناشره, وأسأل الله أنْ يعز الأمة الإٍسلامية وأنْ يعيد لها سيادتها ويظهرها على أعدائها, إنَّه سميع مجيب. 
عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري - خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير
 
رابط المقال في صحيفة الجزيرة

الثلاثاء، 23 يوليو 2013

في عيادتي.. طرائف وفوائد

عنوان المقال هو عنوان لكتابٍ ألّفه الاستشاري الدكتور محمد بن عبدالله المفرّح – وفقه الله- وذكر سيرته الذاتية في آخر الكتاب، أنّه تخرّج في جامعة برلين الحرة في ألمانيا عام 1969م، تخصص الطب البشري، وعمل طبيباً عاماً في مستشفى طلال بالرياض(مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي حالياً) ثم مديراً عاماً للشؤون الصحيّة بمنطقة القصيم، ثم تعين استشارياً ورئيساً للقسم الباطني والجهاز الهضمي في مستشفى الرياض المركزي، ثم مديراً عاماً له عام 1404ه، وساهم في تحويله إلى مستشفى تعليمي للتخصصات الصحيّة، وعيّن استاذاً متعاوناً بكليّة الطب بجامعة الملك سعود مدة خمس سنوات من عام 1400ه، وعمل مديراً طبّياً لمستشفى التأمينات الاجتماعيّة بالرياض عام 1410-1411ه، وأحيل إلى التقاعد في عام 1411ه وافتتح مجمعاً لعياداته الخاصة بعد خدمة أربعةٍ وثلاثين عاماً.
أقول: مما حدثني به والدي -رحمه الله- قوله: (الدكتور محمد المفرّح طبيب يحرص على المراجعين فلا ينصرف من عيادته إلا بعد خلوها من المراجعين، ولو اضطره ذلك للبقاء بعد انتهاء فترة الدوام، وذلك عندما كان في مستشفى الرياض المركزي). وكنت أسمع والدي –رحمه الله– يثني على حذقه في الطب وينصح المرضى بمراجعته، ومن ذلك أني اشتكيت من ألمٍ في بطني فوجهني إليه فذهبت إليه في مجمع عياداته، وعمل التحاليل اللازمة، ومن ثم صرف الدواء المناسب، ولما طلبت منه أنْ يصرف لي الدواء مباشرة رفض وقال: لا بد من معرفة نتيجة التحاليل وعلى ضوئها يصرف العلاج.
وعوداً على بدءٍ فإنّ كتاب (عيادتي طرائف وفوائد من أحاديث المرضى) للدكتور محمد المفرّح -وفقه الله- أهداه إليّ العم الشيخ علي بن مشاري المشاري -حفظه الله- ومن حين وقع الكتاب في يدي لم أتركه حتى قرأته بالكامل، وذكر في المقدمة أنّ فكرة الكتاب مستوحاة من المرضى، إما بلفظها أو معناها، أو معناها وفحواها، في أساليب مختلفةٍ في وصف شكواهم، إما بعفويةٍ أو بمزاجيةٍ أو بحدةٍ أو بسخريةٍ أو بفلسفةٍ أو بشاعرية... إلى أنْ قال: وما هذا الكتيب إلا فيض من غيضٍ مما استفدته من مرضاي ومرافقيهم..) وفي هذا دليل على نسبة الفضل إلى أهله وهو من المزايا الحسنة. قال طرفة بن العبد:
ونصّ الحديث إلى أهله فإنّ الوثيقة في نصّه.
وقد وجدت في الكتاب متعةً وتسليةً ودرراً وأمثالاً وشواهد شعرية، التي غالبا ما تكون باللهجة النجدية، ولم أر كتاب طبيبٍ اتخذ مثل هذا الأسلوب، ففيه فكاهة غير متكلّفة، وفيه حكم وأمثال، وفيه جمع من الكلمات العاميّة التي بيّن معانيها والتي تهم بعض المهتمين بتاريخ نجد، وفيه أيضاً إيناس وترويح بأسلوبٍ شيق، ومن تلك الكلمات والأمثلة العامية التي أوردها: (الجمل يضلع من اذنه) (لا تصير مثل رضّاح العبس) (لا هنا ولا هناك، حطني تلقاني) (دلو ماء ودلو طين) (سلّم لي على الدكتور وغطّه بالسلام) (الصحة باطراف الجوع) (اشخله شخل يا دكتور) (بعير شمال) (اجفل من الدكتور كما يجفل الصيد من القنّاص) (الحماط اخو التين = سعيّد اخو مبارك) (واحد يسنّد وواحد يحدّر) (زينة الخلاخل والبلاء من داخل) (من بغى الدح ما قال أح) (يا من شرى له من حلاله علة) (مثل شخطة الشبّاب) (اذا مسكت ابا الحصين فاقطع ذنبه) (يا فر جيبي فرّاه)(وينك يا عظم الرجيع) (أوّل أكّل نماك لا يموت واليوم امنع نماك لا يموت) (مثل حيران الربيع) (من ورد على العدّ روّى) وقد بيّن المؤلف معاني ما قد يصعب فهمه من هذه الألفاظ والأمثال العاميّة، وفي صفحة (169) داعب المؤلف معالي وزير الصحة آنذاك بقصيدةٍ ظريفةٍ (عاميّة) عدد أبياتها عشرون بيتاً، قال في مطلعها:
هبّلونا بالجرايد يا حمدبالدعاية بالغوا كلنِ شهد
المشافي والمراكز جايرة غرّرت بالناس ولاحدن يرد
وما أحسب المؤلف إلا إنه أجاد وأفاد، وقد بيّن الدكتور أنّ تأليفه لم يكن لأجل الربح المادي، بل ذكر أنّ نصيبه منه سيخصص لصالح بعض الجمعيات الخيرية.
وأتمنى من صاحب كلّ مهنةٍ مثقفٍ متعلمٍ أنْ يكتب تجربته في حياته الوظيفيّة أو الاجتماعيّة عموماً، فلن يخلو كتاب من فائدة.
وشكراً لمؤلف الكتاب الاستشاري الدكتور محمد بن عبدالله المفرّح على هذا الكتاب الماتع.

رابط المصدر
http://riy.cc/853155ِ

الجمعة، 28 يونيو 2013

من آداب زيارة المريض

من حق المسلم على المسلم عيادته إذا مرض، ومما ورد في فضل زيارة المريض قوله صلى الله عليه وسلم:( من عاد مريضاً، لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع) رواه مسلم. وخرفة الجنة هي جناها. فما أعظم هذا الفضل وأجلَّه، ولعيادة المريض آدابٌ منها:
أولاً: تطمينه وتذكيره بالثواب العظيم على المرض الذي ابتلاه الله به، وأنَّه طهورٌ للمؤمن، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريضٍ يعوده يقول:( لا بأس طهورٌ إنْ شاء الله) رواه البخاري. وكذلك يذكر له أنَّ المرض يُذهب الله به الخطايا، عن أمِّ العلاء رضي الله عنها قالت: عادني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضةٌ، فقال:( أَبْشري يا أمَّ العلاء، فإنَّ مرضَ المسلم يُذهبُ اللهُ به خطاياه كما تُذهبُ النارُ خَبَثَ الذهب والفضة ) صححه الألباني، ويذكِّره بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:( عجباً لأمر المؤمن، إنَّ أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إنْ أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإنْ أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم، فإنَّ في ذلك تأنيساً للمريض وتطميناً له.
ثانياً: الدعاء له بأنْ يشفيه الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرارٍ: أسال الله العظيم رب العرش العظيم أنْ يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض ) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن وصححه الألباني.
ثالثاً: عدم إطالة الزيارة فإنَّ المريض تمرُّ عليه الدقيقة كالساعة؛ لما يجد من ألم مرضه، ولا يغرنَّك صبره وتحمُّله وحسن استقباله لك في أنْ تطيل عليه، فخفِّف خفَّف الله عنك، وارفق به رفق الله بك، وعليك أنْ تختار الوقت المناسب للزيارة بسؤال المريض أو مرافقه، لئلا تعوده في وقتٍ غير مناسب.
رابعاً: إنْ غلب على ظنك أنَّه يحب أنْ ترقيه الرقية الشرعية فلا تتردد في ذلك, أثابك الله. 
خامساً: لا يحسن بالزائر تقطيب الجبين أو البكاء عند المريض؛ لأجل ما حل به من مرض، وأنْ لا يذكر له أحوالاً مشابهةً لمرضه فيها إدخال اليأس من الشفاء.
سادساً: أنْ لا يصف له دواء من الأدوية العشبية المجرَّبة إلا إذا كان الواصف طبيباً حاذقاً، له معرفة بتشخيص حالته المرضية ومعرفة ما يصلح له من تلك الأدوية ومالا يصلح.
سابعاً: على الزائر أنْ يقلل من السؤال للمريض، وأنْ يظهر الاهتمام به، وأنْ لا يوقع اللوم على عليه فيما حلَّ به من مرض، كأن يقول له: ما أصبت بالمرض إلا بسبب غضبك، أو لعدم صبرك، أو لحرصك الزائد، أو لإهمالك نفسك وغيرها.
ثامناً: أنْ يغض الزائر بصره عما لا شأن له به، مما هو متعلقٌ بالمريض.
وختام القول أسأل الله أنْ يشفي مرضى المسلمين جميعاً، وأنْ ينفعنا بما نقول ونسمع.

http://www.alriyadh.com/2013/06/19/article845092.html

الأحد، 16 يونيو 2013

الإجازة الصيفية ما بين مستثمرٍ ومضيِّع


لا يقدِّر فضل الوقت إلا الموفق الذي يعلم أنَّه مسؤول عن عمره فيما أفناه، أفي طاعةٍ أم في معصية؟ وهاهي الإجازة الصيفية للطلاب حطت رحالها، فمن مستثمرٍ لها فيما ينفع في الدنيا والآخرة، ومن مضيِّعٍ وقته بلا فائدة، منهمكٌ في الملهيات لا يكاد ينفكُّ عنها ولا يحزنه إمضاء وقته فيها ولا إتلاف ماله لأجل رغبات نفسه وشهواتها، وقد تجرُّه نفسه الأمَّارة بالسوء بالتفريط في شأن الصلاة، فلا يصليها مع الجماعة في بيوت الله، بل قد يؤخرها عن وقتها، ومن تهاون في أعظم ركنٍ بعد الشهادتين، فلا غرابة أنْ يقصِّر في خدمة والديه، بل قد يصل الحال إلى عقوقهما وقطيعة الرحم، والسهر على ما حرَّم الله… فيغرق في أوحال المعاصي التي تجرُّ بعضها بعضاً، وبعضها مرتبطٌ ببعض، خصوصاً إذا اقترن الطالب بقرناء السوء الذين يأمرونه بفعل المحرمات وترك الطاعات، فيعيش حياة الشقاء والبؤس وتتسابق إليه الهموم والغموم ويضيق صدره، وتسوء أخلاقه، ويتغيَّر سلوكه، فالحذر من ذلك أيها الطالب واحرص على معالي الأمور، ودع عنك أسافلها.
وفي المقابل نرى ثلة من الطلاب -وفقهم الله لما ينفعهم- قد علت هممهم، وقويت عزائمهم في فعل نوافل الطاعات، وطلب العلم الشرعي في المساجد، وفي حضور الدورات العلميَّة المكثفة فيها، وفي التسجيل في البرامج الصيفيَّة في حفظ القرآن الكريم في المساجد، وفي الالتحاق بدورةٍ من الدورات التدريبيَّة في مراكز التدريب المعتمدة في شتى العلوم النافعة بمجالاتها الواسعة كعلوم الحاسب الآلي وغيرها.
إنَّ الطالب الموفق هو الذي ينظِّم وقته بما يملأ به فراغه، فلا تراه يشتكي من الملل وضيق الصدر؛ لأنه أشغل نفسه بما ينفعه وأصبح عضواً فاعلاً في نطاق أسرته ومجتمعه، فجعل من وقته شيئاً لقراءة القرآن الكريم، وشيئاً لقراءة صحيح السنة النبوية، كأن يقرأ في صحيح البخاري ومسلم، ويحفظ منهما حديثاً أو حديثين بصفةٍ يوميَّة، وفي قراءة الكتب التأصيليَّة وحفظ المتون العلميَّة، وفي المشاركة في المناشط الدعوية والأعمال الخيريَّة، أو في مزاولة مشروعٍ تجاري مؤقتٍ ينتفع به، ويصل والديه ما داما على قيد الحياة، ويقضي حاجتهما، ويجتهد في برهما، ولا يُقدِّم عليهما صديقاً، ويصل رحمه، ولا أقلَّ من حضور المناسبات الأسرية، ويصل أصدقاء أبيه أو أمِّه اللذين ماتا، ويساهم في العمل الخيري إمَّا بجهده أو بماله، ويصاحب الأخيار، وذلك بأنْ ينتقي أصحابه كما ينتقي أطيب الثمر، ولا ينسى زيارة أقاربه وعيادة المرضى، وغيرها من فضائل الأعمال، فاحرص أيها الطالب على حفظ وقتك واستغلاله فيما يعود عليك نفعه في دنياك وآخرتك.
كما أنَّ على أولياء أمور الطلاب أنْ يحرصوا على تربية أبنائهم ويكونوا قريبين منهم ويتعرفوا على أصدقائهم الذين يجالسونهم، ويمدوا أيديهم الحانية إليهم ويوجهونهم التوجيه النافع. وأسأل الله أنْ يصلح أبناءنا وبناتنا، ويحفظهم ويوفقهم لفعل الخيرات والعمل بطاعة ربِّ الأرض والسماوات.


الرابط

http://www.alsharq.net.sa/2013/06/10/862820
 

الاثنين، 27 مايو 2013

طريقك إلى السعادة بالقناعة

القناعة مفتاحٌ عظيمٌ من مفاتيح السعادة، بل هو الركن الأقوى للحصول على السعادة، والقناعةُ هي الرضا بما قَسَمَ الله لعبده من الرزق، وكثيرٌ من الناس في هذا الزمن إلا من رحم الله حُرموا القناعة، فأصابهم من التعاسة والشقاء ما أصابهم، وانتشرت الأمراض النفسية التي لم تكن معروفة من قبل في بلادنا، وعدم القناعة بما قَسَمَ الله يجرُّ إلى محظوراتٍ منها الحسد والكذب وأكل المال الحرام والغيبة والنميمة وغيرها من الآفات، وإنَّه من حسن إسلام المرء قناعته بما قَسَمَ الله، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد أفلح من أسلم، ورُزقَ كفافاً، وقنَّعه الله بما آتاه) أخرجه مسلم (1054)، فالقناعة ركنٌ ركينٌ للفلاح في الدنيا والآخرة، ومن المعلوم أنَّ النفس تطمح إلى أنْ تتبوأ أرفع المقامات، وأنْ تكون ممن يشار إليها بالبنان، وتتمنى لو حازت من الأموال الطائلة ما يجعل لها المكانة العالية لدى الخاص والعام، ولأجل هذا تجد غالب هؤلاء ينظرون إلى ما في أيدي الناس من الخيرات والأرزاق التي منَّ الله بها عليهم، إلى أنْ وصل الحال ببعضهم أنْ يحسب ما يدخل على فلانٍ من الأموال بصفةٍ شهرية، وتجده دائماً يردد: فلانٌ يملك كذا وكذا، ويأخذ في تعديد أمواله حتى كأنه موكل بمعرفتها وحصرها، وهذا الصنف من الناس تجده دائم الهم والغم، ضائق الصدر حزيناً، يغضب لأتفه الأسباب، لذا كان التوجيه النبوي بأنْ ينظر المرء إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من فوقه في أمور الدنيا ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله) أخرجه البخاري الفتح (11-6490) ومسلم (2963) واللفظ له. ولو تمعن المرء هذا الحديث وطبَّقه في حياته لما رأيت الحسد، ولما رأيت كفران النعم ونكرانها، ولما رأيت المتسخِّط ولا المتشكي في الناس، ولرأيت الرضا وتمام الشكر لله على عموم نعمه، وعلى من ابتلي بعدم القناعة أو خشي على نفسه الوقوع في ذلك أنْ يدعوَ بما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبةٍ لي بخير) أخرجه الحاكم في المستدرك (2-445) وقال صحيح الإسناد، وأخرجه ابن السني في القناعة (57) وقال مخرجه: سنده صحيح ورجاله ثقات جميعاً.كما إنَّ على المرأنْ ييأس مما في أيدي الناس قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنَّ الطمع فقرٌ، وإنَّ اليأس غنى، إنَّه من ييأس عمَّا في أيدي الناس استغنى عنهم) انتهى، ولا شك أنَّ تعويد الإنسان نفسه على القناعة أمرٌ محمودٌ ممدوحٌ، قال أبو ذؤيب الهذلي:
والنفس راغبة إذا رغَّبتها

وإذا تُردُّ إلى قليل تقنعُ
وقال ابن القيم كما في تهذيب مدارج السالكين: (يكمل غنى القلب بغنىً آخر هو غنى النفس وآيته: سلامتها من الحظوظ وبراءتها من المراءاة) انتهى وقال بعض الحكماء: (وجدتُ أطول الناس غمَّاً الحسود، وأهنأهم عيشاً القنوع، وأصبرهم على الأذى الحريص إذا طمع، وأخفضهم عيشاً أرفضهم للدنيا، وأعظمهم ندامة العالم المفرِّط) وقال بعضهم: (ازهد بما عند الناس يحبّك الناس، وارغب فيما عند الله يحبّك الله) وسُئل بعض الحكماء: ما الغنى ؟ قال: (قلة تمنيك، ورضاك بما يكفيك) قال الشاعر:

إنَّ القناعة من يحلل بساحتها

لم يلق في ظلها همَّاً يؤرقه
وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -:

رأيتُ القناعة رأسُ الغنى

فصرتُ بأذيالها ممتسكْ

فلا ذا يراني على بابه

ولا ذا يراني به منهمكْ

فصرتُ غنيَّاً بلا درهمٍ

أمرُّ على الناس شبه الملكْ
ومن فوائد القناعة أنها من كمال الإيمان وحسن الإسلام، فالقنوع يحبّه الله ويحبّه الناس، ويجد سعادة في النفس بما قُسم له من الدنيا، ومن فوائدها إشاعة الألفة والمحبة بين الناس، ومما تقدَّم من قولٍ حول القناعة يتبين أهميَّة التخلق بهذا الخلق النبيل، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا واغفر لنا واعف عنَّا يا أرحم الراحمين.

http://www.al-jazirah.com.sa/2011/20110717/rj2.htm
 

الأحد، 26 مايو 2013

إلا عقوق الوالدين يا هؤلاء ( تعقيب على مقال د. عبدالرحمن العشماوي ) وفقه الله

سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
قرأت مقالاً للدكتور عبدالرحمن العشماوي في الزاوية التي عنون لها ب(العقوق ودموع الأم) في العدد رقم (13255) وقد تحدث عن الاتصال الهاتفي الذي تلقاه من أم مفجوعة من عقوق ابنها، وإن هذه القصة لتذرف لها دموع حرّى من ابن عاق قابل إحسان والدته بالإساءة، هذا بلا شك نكران للجميل وعصيان لرب العالمين، وإني أخاطب هذا الابن وكل ابن عاق أن يتقوا الله وأن يرجعوا إلى حيث أمر الله، فالله سبحانه وتعالى نهانا عن عقوق الوالدين قال تعالى: { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} الآية، قال العلامة عبدالرحمن ابن سعدي - رحمه الله - وهذا أدنى مراتب الأذى، تبة به على ما سواه، والمعنى لا تؤذهما أدنى أذية(1)، وقال عطاء ابن أبي رباح - رحمه الله - في قوله تعالى: { وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} أي: لا تنفض يدك على والديك(2). كما أن العقوق من أكبر الكبائر ففي الحديث الذي رواه أبو بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله. قال: ثلاثاً: الإشراك بالله وعقوق الوالدين. وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت)(3). فالعقوق أمره خطير وشأنه عظيم، وقد حذر عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - من مصاحبة العاق فقال لابن مهران: (ولا تصحبن عاقاً فإنه لن يقبلك وقد عق والديه)(4)، ولا ريب أن العقوق يحدث خللاً في المجتمع حيث إنه من أعظم أسباب التفكك الأسري الذي بدوره يجعل اللحمة الاجتماعية في حالة اضطراب وتفكك مشين، فليحذر الذين يعقون آباءهم أو من هم مقصرون تجاههم من العقوبة التي توعدهم الله بأنه لا ينظر إليهم يوم القيامة عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنّانُ بما أعطى)(5)، وليحذر العاق من العقوبة المعجلة له في الدنيا، قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم) أخرجه الإمام أحمد، فالتوبة التوبة يا من عققت والديك ما دمت في زمن المهلة، عد لرشدك فأحسن صحبتهما وبرهما امتثالاً لأمر الله سبحانه، وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فالله جل وعلا أمر بعبادته وتوحيده وجعل بر الوالدين مقروناً بذلك، كما قرن شكرهما بشكر الله، فقال تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}وقال سبحانه: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}، ويقول الله عز وجل: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}الآية، وقال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إحسانًا} الآية، كما إن بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها) قال: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين)، قال: ثم أي قال: (الجهاد في سبيل الله)(6)، ولعظم فضل بر الوالدين فإنه مقدم على الجهاد في سبيل الله إذا لم يكن متعيناً (أي فرض عين) عن معاوية بن جهامة السلمي - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: (ويحك أحية أمك؟) قلت نعم. قال: (ارجع إليها فبرّها)، ثم أتيته من الجانب الآخر، فقلت يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: (ويحك أحيّة أمك؟) قلت نعم. قال: (ارجع إليها فبرّها)، ثم أتيته من أمامه فقلت يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: (ويحك الزم رجلها فثم الجنة)(7)، كما إن البر يزيد في العمر، عن ثويان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القضاء إلا الدعاء)(8)، والوالدان هما أحق الناس بحسن الصحبة فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) قال ثم من؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك)(9)، ورضا الله في رضا الوالدين عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد)(10)، فهذه الأحاديث الشريفة كلها تحث على بر الوالدين فاحرص رعاك الله على فعل ما أمرت به قال الشاعر:
عليك ببر الوالدين كليهما
وبرّ ذوي القربى وبرّ بالأباعدِ
فيا من قصر تجاه والديه حاسب نفسك وانتبه عن تفريطك وتقصيرك، والزم طاعة والديك وأحسن إليهما كما أحسنا إليك صغيراً، ولا تقدم طاعة غيرهما على طاعتهما ما لم يكن إثماً، لا ترفع صوتك عندهما ولا تتصرف تصرفاً يغضبهما، ولا تمش أمامهما، وكن واصلاً لهما مودداً إليهما طالباً رضاهما، ولا تحد النظر إليهما قال مجاهد - رحمه الله -: (ما بر والديه من أحد النظر إليهما)، واعلم أنه مهما عملت وستعمل لوالديك من أمور البر فلن توفهما حقهما، وأنى لك بسداد دينهما عليك، وهما يضاعفان دينهما بدعائهما لك وخوفهما عليك ومحبتهما لك، وإني أحذرك من زوجة السوء التي تسعى للتفريق بين المرء ووالديه وأحدهما، فتجد بعض الأبناء هداهم الله لا يلبي طلب والديه إذا أمراه أو أمره أحدهما بقضاء حاجة يريدانها، وفي المقابل لا يرد لزوجته ما تطلبه بل يسعى جاهداً لإرضائها، وليس عيباً وخللاً أن يعاشر الرجل زوجته بالمعروف، بل الإثم في عدم خدمة الوالدين أو أحدهما متى ما طلبا شيئاً منه لأن الواجب عليه طاعتهما في كل ما يأمران به، أما الزوجة فليس واجباً عليه أن يطيعها في ما تأمر به بل الواجب أن يعاشرها بالمعروف، وكذلك الواجب على المرأة أن تطيع زوجها إذا أمرها بأمر لا معصية فيه وتأثم بعصيانها له، وإن مما يكدر الخاطر ويبعث في النفس الحزن ما يسمع ويقرأ من أن بعض الناس يقدم أمر زوجته على أمر والديه، وكذلك إهمال بعض الأبناء شأن والديهم بسبب تسلط زوجاتهم فحسبنا الله ونعم الوكيل، ومن عظيم شأن الوالدين أنه يجب الإحسان إليهما والرفق بهما ولو كانا مشركين، مع عدم طاعتهما في أي معصية قال تعالى: { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}.
وهذه أم أحد الأئمة وهو حيوة بن شريح كانت تقول له وهو جالس لتعليم الناس: قم يا حيوة فألق الشعير للدجاج، فيقوم من مجلسه ذاك طاعة لها وبراً بها مع ما هو فيه من الخير من تعليم الطلاب لعلمه أن طاعته لوالديه مقدمة على نوافل العبادات، فلله دره - رحمه الله -، ومن الفوائد المترتبة على بر الوالدين أنه دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام، وأنه من أفضل الطاعات وطريق موصل للجنة، ويرفع الذكر في الدنيا وفي الآخرة، وأن من بر بوالديه بر به أبناؤه.
وختاماً أوصي نفسي وأوصيكم بالبر بالوالدين وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا بارين بهما مطيعين لهما كما أمرنا.
(1) تفسير السعدي
(2) تفسير ابن كثير
(3) رواه البخاري واللفظ له، ومسلم
(4) المستطرف
(5) رواه النساني وقال الألباني حديث حسن صحيح
(6) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
(7) رواه النسائي والإمام أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.
(8) أخرجه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب وابن ماجه وهذا لفظه وحسّنه الألباني والحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(9) رواه البخاري ومسلم.
(10) رواه الترمذي وصححه الألباني.
 
 

أبو عبدالرحمن ابن عقيل نصحٌ بصريح القول وإفادةٌ بحقيقة الحال

سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد اطلعت على المقال الذي كتبه الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري -حفظه الله- يوم الأحد 15-7-1431هـ والعدد رقم (13786) وكتبت مُشيداً بما كتبه آملا نشره في صحيفتكم الغرَّاء.
ففي مقالٍ بديعٍ، وجُرأة ناصحٍ بصريح القول، وإفادةٌ بحقيقة الحال، ووعظٌ بأسلوب الرفيق الشفيق، أتحفنا شيخنا أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري بمقاله في العدد رقم (13786) الذي هو درَّةٌ من الدرر أثمرتْ وأينعتْ في حال الكبر، امتزج فيها حبٌّ مكنونٌ، ورفقٌ بالحكمة مصونٌ، خطَّه يراعهُ في العقد الثامن المبارك من عمره، بيَّن فيه بجرأته المعتادة ونصحه المعهود ليصحح خطأً وقع فيه من وقع، توشَّح بتوثيقٍ أصيلٍ وذوقٍ رفيعٍ، فاختصر الطريق لطالب الحقِّ، ليسلكه راغبٌ في النجاة منْ سيلٍ متلاطمٍ يكاد يُفقد ذوي العقول عقولهم من شُبَهٍ شابها هوى فزادها خوى، ولا ريب أنَّ الرجوع للصواب بعد العلم به، واللجوء إلى تصحيح ما اشتهر عن المرء، شجاعةٌ لا يقدر عليها إلا ذوي العقول الناضجة، فأصبح ابن عقيلٍ فينا منْ قبل ومنْ بعد ذا حسٍّ مرهفٍ، وذا شفافيةٍ قلَّ نظيرها بين أقرانه وبني زمانه، فلله درّه، فهو قدوةٌ لمنْ تبيَّن له الحق فعاد إليه أنْ يُشهر رجوعه عمَّا اشتُهر عنه بلفظه الصريح ليعلم الناس عوده المحمود، فتبرأ ذمّته، وتُحمدُ عاقبته، ولا ريب ولا شك أنَّ في توثيقه لمسألةٍٍ تهمُّ الأمَّة جمعاء درسٌ نافعٌ وموعظةٌ لطيفةٌ تؤنسُ أولي الألباب، وتُفيد الطلاب، وتجلِّي الغشاوة، ولقد استمتعتُ كما استمتع غيري بقراءة ما قال، وأبهرني أسلوبه وصدق لهجته ولطف عبارته، ودقة توثيقه، ورجاحة تصويبه، وزادني إعجاباً ما عرَضه منْ تجربته، فأحسستُ منه حنان الأبوَّة على البنوَّة أنْ يقعوا في خطأ تمَّ استدراكه منْ أبٍ مشفق، وأسعدني ما بسطه منْ كلامٍ كالدرِّ المنثور في حديثه عن القرآن الكريم بقوله ( لكنَّه يملأ القلب فرحاً وأشواقاً ليست كالأتراح والضيق التي تعقب سويعات الاستمتاع بالغناء، وهذه تجربةٌ صادقةٌ مارستُها في حياتي ...) إلى أنْ قال : (على أنَّ من التذَّ باستماع الذكر الحكيم بالتغني لا بالغناء لن يحتاج إلى متعةٍ سماعيَّةٍ أخرى)، قلتُ موافقاً : نعم كيفَ لا يملأ استماع القرآن الكريم وتلاوته القلب أفراحاً وأشواقاً وهو كلام الله الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (42) سورة فصلت، إنَّه القرآن الكريم الذي أعجز البلغاء ببلاغته والفصحاء بفصاحته قال تعالى?قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا? (88) سورة الإسراء، إنَّه القرآن الكريم الذي فضلُه لا يجاريه فضل كتابٍ، إنَّه المعجزة الكبرى والمنَّة العظمى من الله على بني الإنسان، منْ تلاه وحفظه أعطاه الله من الأجور بفضله ومنِّه وكرمه، فبكلِّ حرفٍ يُتلى منه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، كيف لا تكون السعادة بتلاوته واستماعه وفيه ومنه الشفاء من الأسقام الروحيَّة والجسديَّة بإذن إلهنا المنَّان وحده لا شريك له، ألم يقل الله تعالى: ?وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ?(82) سورة الإسراء، وقال تعالى: ?قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء?(44) سورة فصلت، وقال تعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ? (57-58) سورة يونس، هذا هو القرآن الكريم، فيه من الفضل ما يُعجزُ عن الحصر، وما أجمل تلك الوصية من الشيخ أبي عبدالرحمن ابن عقيل بالإفادة من مثل كتاب (تحريم آلات الطرب) للمحدِّث الألباني - رحمه الله- في صنعته الحديثية، وتحذيره من الكتاب الخاسر (أحكام الغناء والمعازف وأنواع الترفيه الهادف ) لسالم بن علي الثقفي، وفي خاتمة المسك لمقاله بعد سوقه لما قاله ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ (الغناء ينبت النفاق في القلب) فقال ابن عقيل لا جفَّ له قلم: (فأولُّ علامات النفاق أنَّنا نخفي استمتاعنا عن الصلحاء، وأننا نتظاهر بأنَّنا نروِّح عن قلوبنا، ونكتم ما في تلك القلوب من حبٍّ محرَّم، ولو أتيح بالحلال فهو لا يليق لفساد ذلك الوسط المحبوب.. وأنَّ قلوبنا مشحونة بالأماني المحرَّمة وأنَّ قلوبنا مستعبدة، وأنَّ ذلك صدَّنا عمَّا حُرِّم علينا هجره وهو القرآن الكريم والذكر الحكيم)، وما أجمل ما قال العلامة المحقق ابنُ القيّم في نونيته:
حبُّ الكتاب وحبُّ ألحان الغناء
في قلب عبدٍ ليس يجتمعان
وخاتمة القول ما كان منْ قول ابن عقيلٍ الذي هو المسك في تعطيره بقوله (فالحمد لله شكراً شكراً الذي أسرع بفيئتي قبل لقائي له، ومنحني التمييز بين مواضع الإحسان والإساءة في تأرجحات عمري المضطربة، فأسأل الله الثَّبات حتى الممات، وحسن الخاتمة..) قلتُ وأنا أحمد الله تعالى لتلك الفيئة وذلك التمييز، وأسأل الله لي ولك الثبات حتى الممات، وحسن الخاتمة، وأنْ يمنَّ علينا برضاه عنَّا في الأولى والآخرة، وأنْ يتجاوز عنَّا بمنَّه وكرمه وفضله وإحسانه ورحمته التي وسعت كل شيء.
 

أرعني سمعك يا ولدي

ولدي، إليكَ أسطّر كلاماً، فأرعني سمعكَ فإنّي أريدُ لك الخير وتوجيهك ونصحك، وهذا منْ حبّي لك، ولدي احرصْ على ما ينفعك في الدنيا والأخرى، وكنْ في جميع أحوالك محاسباً نفسك، ومراقباً ربَّك، فاحذرْ أنْ يراكَ حيثُ نهاك، لا تجعلْ الدنيا أكبر همّك ولا مبلغَ علمك، ولديْ اجعلْ القرآن الكريم أنيسك، والرجل الصالح جليسك، وإيَّاك وقيل وقال، ومجالسة الأشرار، ففي مجالستهم طريق يوصل إلى الهاوية، ولدي وثمرة فؤادي اعلم أنَّ السعادة لا تحصل بكثرة الأموال والأولاد، و إذا أردت السعادة فهي في طاعة الله وفي مجالس الذكر، وأعظم المجالس فضلاً مجالسُ العلماء الذين يعلِّمون الناس علوم الكتاب والسنة، أولئك القوم تحفّهم الملائكة وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم الله فيمن عنده، فهنيئاً لهم إذا قيل لهم: انصرفوا مغفوراً لكم، كما أنَّهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، فاحرصْ يا ولدي على حضور تلك المجالس في المساجد، وليكنْ تتلمذك على كبارهم، وقيّد الفوائد من شروحهم، ولا تظن أنَّ العلم يُنال بالسهولة، فلابدَّ من الصبر والمصابرة والجدِّ والمثابرة، وإنْ أشكلت عليك مسألة فلا تتردد بالسؤال لتعرف الجواب، و لتعلم أنَّ في طلب العلم ومجالسة العلماء سعادة ولذة لا يعرفها إلا من ذاق طعمها، ولدي إنَّ السعادة ثمَّ هنالك في مجالس الذكر، واعلم يا ولدي أنَّ في طلبك العلم رضا الله سبحانه، وكذلك فإنَّ الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، والحيتان في الماء تستغفر له، فهلْ بعد هذا فضل، يا ولدي اعلمْ أنَّ حاجة الناس للعالم بالكتاب والسنة أكثر من حاجتهم للماء والأكل، فاحرصْ على طلب العلم لعلَّك تكون من ورثة الأنبياء، ولدي عليك بمجالسة ذوي الرأي والحكمة ولك أنْ تسأل أين أجدهم ؟ تجدهم يا ولدي في العلماء العاملين، ومن ثمَّ كبار السن العقلاء الذين صقلتهم التجارب، وعاشوا عقوداً من الزمن في كفاحٍ وعراكٍ، إلى أنْ عرفوا منها ما يخوّلهم في عرض الرأي السديد والنصح الرشيد، واسمع من حديثهم وأخبار ما جرى في زمنهم، لتستفيد منها فتصل إلى ما وصلوا إليه من الرأي والحكمة على صغر سنٍّ، كنْ موقراً لهم، وإيَّاك والسخرية منهم أو الاستهزاء بهم، ولا تظن أنَّك أعرف منهم بعلمك وثقافتك، وإنْ ظننت ذلك فما ذاك إلا لجهلٍ فيك، عامل كبير السنِّ معاملة الأب يعاملك معاملة الابن، يا ولدي إنِّك سترى في الدنيا غرائب وعجائب، وبمخالطتك للناس سترى منهم أصنافاً وألواناً، ما كنت تتوقع رؤيتهم، فكنْ حليماً صابراً متأنياً، فالحلم خصلةٌ كريمةٌ تنال بها الأجر والثواب، والصبر دليل القوة، ومن صبر ظفر، والتأني سلامةٌ وتوفيق، يا ولدي إيَّاك احتقار وازدراء الناس فهي منقصةٌ وعيبٌ، ودليلٌ على سوء الخلق، ولتعلم أنَّ في احتقار الناس ظلما لهم، وكبرٌ في محتقرهم، فكنْ متواضعاً عارفاً للناس أقدارهم ومنازلهم، يا ولدي إيَّاك والفخر بآبائك وأجدادك وحسبك ونسبك فما في الفخر خيرٌ، لأنَّه لا ينفعك إلا ما قدّمت من عملٍ صالحٍ مخلصٍ فيه لله، واعلمْ أنَّ العقلاء وذوي الرأي والحصافة والعلم والدراية لا يفخرونَ بعملٍ عملوه أو علمٍ حصّلوه، بلْ يسألون الله الإخلاص والقبول في القول والعمل، وهم بين الخوف والرجاء، يخافون عقاب الله ويرجون رحمته، ولدي إنَّ الدنيا ممرٌ يمتحن فيه المرء فتجاوز الامتحان بالفوز الذي ينجيك، وقليلٌ هم الناجون، وهم عباد الله المؤمنون المستقيمون على طريق الحق، ولا يضيء هذا الطريق لك إلا العلم النافع فاسع جاهداً في تحصيل العلم النافع، ولتعلم أنَّه لا نور يضيء في الظلام الحالك إلا الكتاب والسنة فتعلمها وفق فهم سلف الأمة، ولتعلم أنَّ العلماء كالنجوم يهتدى بهم في الظلمات، وهم أهل الذِكر، وهم أخشى الناس لله، ولدي لا يغرنّك أصحاب الأموال الطائلة، والمراكب الفارهة، والقصور المشيَّدة، فهم يتمتعون بها في دارٍ زائلةٍ فانيةٍ، واللذة التي يتذوقونها إنَّما هي لذةٌ عابرةٌ، تنقضي سريعاً ويبقى الحساب عليها غداً، فاقنعْ بما عندك من المنزل والمركب والمال، ففي القناعة سعادةٌ ولذةٌ، كما أنَّ فيها الرضا والتسليم بما كتب الله لك من رزق، ولدي إنْ منَّ الله عليك بالمال والجاه فابذل المال وأنفق منه على المحتاج، ولا تبخل به فالمال مال الله والرازق المعطي ذو المنِّ هو الله وحده لا شريك له، وإنْ أقرضت إنساناً، ولم يستطع الوفاء فاعفُ عنه، لعلَّ الله يعفو عنك يوم القيامة، ولدي ليكنْ لك رأي رشيد، وإيّاك والتعصب للرأي، وإنْ علمت أنَّ في رأيك مخالفة للكتاب والسنة فاضرب به الحائط، و أخبر عن رجوعك للرأي الصواب، فالرجوع للحق محمودٌ، والبقاء على الخطأ مذمومٌ، ولدي اغتنم أوقاتك فيما ينفعك، فلا تُذهبها سدىً، فإنَّ مُضيَّ الوقت مُضيٌّ للعمر، وأعمار أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم قصيرةٌ، فأشغل وقتك بالمفيد، ولدي إيّاك واللسان فخطره عظيمٌ وآفاته كثيرةٌ، وأعظم آفاته الكذب وقول الزور والنميمة والغيبة، واحذرْ من قيل وقال، فلا تقل قال فلانٌ وقال، فكفى بالمرء كذباً أنْ يحدِّث بكل ما سمع، ولدي لا تغتر بنفسك إنْ مدحك المادحون، فمدحهم لا ينفعك وقد يضرك فتغتر بنفسك، وترى لك قدراً أكبر من قدرك، فاعرف قدرك ومنزلتك على الحقيقة حتى لا يدخل الغرور قلبك، وإذا سمعت مادحاً أمامك، فقل اللهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون، ولدي كنْ ذا أخلاقٍ فاضلةٍ، وعامل الناس بخلقٍ حسنٍ وحُبَّ لأخيك ما تحبُّ لنفسك، ولدي كنْ مع الحق حيث كان، و دُر معه حيث دار، كنْ متكاتفاً مع باقي إخوانك، وكونوا يداً واحدةً، واجتمعوا على الحق، وإيَّاكم والاجتماع على ما يخالفُ الحق، ولدي صِل رحمك وأقاربك، وبرّ أمَّك ووالدك، واعلم أنَّهما يريدان لك الخير، ويتمنيان أنْ يرياكَ صالحاً مصلحاً، يتمنيان لك التوفيق للخير والرشاد، وأنْ يرياك من عباد الله الصالحين، ولتعلم أنَّ قرار عينيهما إذا رأوك مطيعاً لهما عارفاً حقهما قريباً منهما دائم الزيارة لهما، وإنْ أشغلتك دنياك عن زيارتهما فاعلم أنَّك على خطأ، فالدنيا ومشاغلها ليست بأهم من تفقُّد والديك وصلتهما، ولدي اعلمْ أنَّ الصدق نجاةٌ وفلاحٌ، والمتصف بالصدق متصفٌ بصفات المؤمنين، والله يحبُّ الصادقين، و ما يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً، ولدي إنَّ الناس في هذا الزمن تغلب صفة الكذب صفة الصدق فيهم، فاحذرْ كذبهم وكنْ صادقاً معهم، ولدي إنَّ الصلة بالله من أعظم الصِّلات فكن دائم الصلة بربِّك وتذلل له، ولتكنْ مناجياً ربَّك في كلِّ ليلةٍ، وداوم على ذلك فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدومه وإنْ قل، ولدي إذا بلغت سنَّ الزواج فاختر زوجةً صالحةً من بيتٍ صالحٍ فإنَّ أوَّل إحسانك إلى أولادك اختيارُ زوجةٍ صالحةٍ من بيتٍ صالحٍ، واحذرْ خضراء الدمن وهي: المرأة الجميلة التي نبتت في منبتٍ سوءٍ، أيْ تربَّت تربيةً سيئةً، أو كان أهلها معروفون بالأخلاقِ الرديئة، عليك بالأسرة التي يكثرُ فيها الصالحون والمتعلِّمون، فإنَّ في القرب منهم غنيمة، ولدي كنْ في كلِّ أمورك متوكلاً على الله، واذكرْ نعم الله عليك وعلى والديك واشكر الله عليها، فالله يحبُّ الشاكرين، واعلمْ أنَّ فضل الله واسعٌ ورحمته وسعتْ كلَّ شيء، ولدي كنْ وفيَّّاً لأصحابك، واحذر أنْ تُقدِّمهم على والديك، فالبرُّ بالوالدين واجبٌ وفرضٌ، فلا يشغلنَّك أصحابك عنه، واحفظ لأمِّك حقَّها فحقُّها عظيمٌ، وبرّ بوالدك فبرّهُ واجبٌ وطاعته فرضٌ فيما لا يغضبُ الرب، ولدي إنَّ هذا زمن تكثر فيه الفتن فاحذرها وهي على نوعين فتن شبهات وفتن شهوات، فتعوَّذ بالله منها، واعلم أنَّها كلُّها خطيرةٌ إلا أنَّ فتن الشبهات أعظم خطراً ولا طريق للنجاة من فتن الشبهات إلا بتعلُّم العقيدة الصحيحة، وأنصحك بحفظ كتاب التوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد، والأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، ومسائل الجاهلية، وكشف الشبهات، ونواقض الإسلام العشرة، التي ألفَّها شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - وكذلك كتاب العقيدة الواسطيِّة لشيخ الإسلام ابن تيميَّة، وغيرها من الكتب ففيها حصانةٌ بإذن الله وحمايةٌ منْ أنْ تقع في تلك الشبهات، وإيَّاك والجلوس مع أهل الابتداع والضلالة خشية أنْ يقذفوا شبهة لا تستطيع ردَّها فتعلَقَ في قلبك، ولقد حذَّر الإمام أحمد - رحمه الله- من الجلوس مع المبتدعة وكذلك حذَّر منها باقي الأئمة الأربعة - رحمهم الله-، ولقد كان يزور المبتدعةُ الإمام أحمد فلا يستقبلهم ولا لبيته يدخلهم، وأمَّا فتنُ الشهوات فهي كل ما تشتهي النفس الأمَّارةُ بالسوء من فعل المعاصي والآثام، كالنظر المحرَّم مثل النظر إلى النساء الأجنبيات اللاتي لسن لهنَّ بمحرَم، وكذا النظر إلى الصور والأفلام التي فيها خلاعةٌ ومجونٌ، والسماع المحرَّم كسماع الأغاني والمزامير والموسيقى، والأكل المحرَّم كأكل لحم الخنزير، والشرب المحرَّم كشرب الدخان والخمر والمخدرات، والكلام المحرَّم كالغيبة والنميمة وفاحش الكلام والكذب، واحذر السبع الموبقات فهي المهلكة، ولدي إنَّ في خاطري كلاماً كثيراً، لا تفي به بضع صفحاتٍ، ولعلَّ فيما قلتُ كفايةٌ لمن عقل، وإنْ كان من خاتمةٍ فهيَ وصيتي إليك بالصلاة الصلاة، أقمها كما أمر الله، واتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن، وأسأل الله لي ولك توفيقاً وهدايةً وتمسُّكاً بالحق وثباتاً عليه والله يحفظك ويرعاك وأستودعك الله. 

http://www.al-jazirah.com/2009/20090203/rj4.htm

فضل العشر الأواخر من رمضان

من نعم الله على عباده أنْ جعل لهم مواسم يضاعف فيها الأجور والحسنات ويرغب فيها بفعل الطاعات, يتسابقون فيها إلى فعل الخيرات, ومن تلك المواسم موسم رمضان المبارك الذي فرض الله علينا صيام نهاره, واستُحب لنا قيام ليله والإكثار فيه من الطاعات وإعمار المساجد فيه بنوافل العبادات كصلاة التراويح والقيام وتلاوة القرآن الكريم والاعتكاف, والإكثار من الاستغفار والتسبيح والتهليل, ففي هذا الشهر تُفتح أبواب السماء وتُغلق أبواب النار وتُصفَّد فيه الشياطين.
وتتأكد فضيلة الأعمال في العشر الأواخر منه التي لياليها أفضل ليالي العام على الإطلاق. وفيها ليلة القدر التي أنزل الله في فضلها سورة تُتلى وهي سورة القدر, من حُرم خيرها فقد حُرم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاكم رمضان شهرٌ مباركٌ, فرض الله عليكم صيامه, تُفتح فيه أبواب السماء, وتُغلق فيه أبواب الجحيم, وتُغل فيه مردة الشياطين, لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر, من حُرم خيرها فقد حُرم) أخرجه النسائي. وقال تعالى: (إنَّا أنـزلناه في ليلة القدر) وقال تعالى: ( إنَّا أنزلناه في ليلةٍ مباركةٍ إنَّا كنَّا منذرين ) سورة الدخان آية 3 أي: أنَّ القرآن الكريم أُنـزل كاملاً في هذه الليلة, والقرآن الكريم فيه هداية الناس وإرشادهم وإسعادهم في الدنيا والآخرة, وفيه حكم ما بينهم, وفيه إعجازٌ ظاهر, وفيه الشفاء للأمراض والأسقام, والهدى والرحمة.من فضائل الأعمال التي تتأكد في العشر الأواخر قيام لياليها فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها مالا يجتهد في غيرها, فيشد مئزره ويوقظ أهله ويحيي ليلهوليلة القدر ليلةٌ مباركةٌ فيها تقدير مقادير الخلائق, قال تعالى: ( فيها يُفرق كل أمرٍ حكيم أمراً من عندنا إنَّا كنَّا مرسلين) سورة الدخان آية 4-5 . وقال تعالى: (ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر) أي: أنَّ أجر العبادة فيها خيرٌ من أجر العبادة في ألف شهر. قال تعالى: (تنـزَّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلامٌ هي حتى مطلع الفجر) أي: لعظم فضلها فإنَّ الملائكة يتنـزلون فيها, ومعهم جبريل عليهم السلام, وهم لا يتنـزلون إلا بالخير والبركة, وأنها سلامٌ حتى مطلع الفجر. ومن قام هذه الليلة إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه, ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه) أخرجه الشيخان. ومن فضائل الأعمال التي تتأكد في العشر الأواخر قيام لياليها فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها مالا يجتهد في غيرها, فيشد مئزره ويوقظ أهله ويحيي ليله. ومن فضائل الأعمال البر بالوالدين والصدقة وصلة الرحم والجود وأداء مناسك العمرة وكثرة تلاوة القران الكريم فهنيئا لنا بهذا الشهر الفضيل.


http://www.alyaum.com/News/art/25793.html

السبت، 25 مايو 2013

الردة صورها وخطورتها

الردة عن الدين من عظائم الأمور وأسافل الشرور قال ابن قدامة عن الردة: (هي الإتيان بما يخرج عن الإسلام إما نطقاً أو اعتقاداً أو شكاً ينقل عن الإسلام، أما المرتد فهو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر). قال أيضاً: (من ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وكان بالغاً عاقلاً دعي إليه ثلاثة أيام، وضُيِّقَ عليه، فإنْ رجع وإلا قتل). ومن أعظم المواقف في تنفيذ حكم الله على المرتدين موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه منهم، يقول الطبري: عقد أبو بكر أحد عشر لواء، عقد لخالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد (المرتد الكذاب)، فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له. ولعكرمة ابن أبي جهل وأمره بمسيلمة (الكذاب)، وللمهاجر ابن أميَّة وأمره بجنود العنسي (من المرتدين في اليمن) وقد كتب إليهم مع القادة المسلمين كتاباً جاء فيه:(قد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أنْ أقرَّ بالإسلام وعمل به، اغتراراً بالله تعالى، وجهالة بأمره، وإجابة للشيطان...، وإني بعثت إليكم فلاناً في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان وأمرته ألا يقاتل أحداً ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحاً، قبل منه ذلك وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أنْ يقاتله على ذلك، ثم لا يبقي على أحدٍ منهم قدر عليه... ويقتلهم كلَّ قتلة، وأنْ يسبي النساء والذراري ولا يقبل من أحدٍ إلا الإسلام، فمن اتبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله، وقد أمرت رسولي أنْ يقرأ كتابي في كل مجمعٍ لكم، والداعية الأذان، فإذا أذَّن المسلمون كفوا عنهم، وإن لم يؤذِّنوا عاجلوهم، وإنْ أذَّنوا اسألوهم ما عليهم، فإنْ أبوا عاجلوهم وإنْ أقروا قبل منهم) وقد عهد رضي الله عنه إلى الأمراء بأنْ (يمنع كل قائد أصحابه من العجلة والفساد، وأنْ لا يدخل في جنوده حشواً حتى يعرفهم ويعلم ما هم (حتى) لا يكونوا عيوناً، ولئلا يؤتى المسلمون من قبلهم).

لقد كان لحزم أبي بكر رضي الله عنه وصلابته في التعامل مع المرتدين أثره الواضح المجلي لشأفة الردة من جميع أنحاء بلاد العرب، وحفظ بذلك وحدة الأمة ووقاها من الهلكة، يقول ابن مسعود رضي الله عنه:(لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً كدنا نهلك فيه لولا أنْ الله منَّ علينا بأبي بكر...عزم الله لأبي بكر على قتال المرتدين، فو الله ما رضي منهم إلا بالخطة المخزية أو الحرب المجلية، فأما الخطة المخزية هي أنْ يقروا بأنَّ من قتل منهم في النار وأنَّ ما أخذوا من أموالنا مردود علينا، وأما الحرب المجلية فأنْ يخرجوا من ديارهم) وقال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أعمالهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)} وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم تندم فأرسل إلى قومه سلوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنّ فلانا قد ندم وإنّه أمرنا أن نسألك هل له من توبة؟ فنزلت (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ)} فأرسل إليه فأسلم) وقال صلى الله عليه وسلم: (من بدَّل دينه فاقتلوه) رواه البخاري وقال ابن تيمية: (المرتد شرٌّ من الكافر الأصليِّ من وجوهٍ كثيرة). وعن مفهوم الارتداد أجابت اللجنة الدائمة برئاسة سماحة المفتي العام الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ بأن (الردة هي: الرجوع عن دين الإسلام إلى الكفر والردة تحصل بالقول والفعل والشك والترك، فالردة بالقول كسبِّ الله تعالى أو سبِّ رسوله صلى الله عليه وسلم والردة بالفعل كالسجود للصليب أو الصنم أو الذبح للقبور أو امتهان المصحف والردة بالشك كالشك في صحة دين الإسلام أو صدق النبي صلى الله عليه وسلم، والردة بالترك كالإعراض عن دين الإسلام لا يتعلمه ولا يعمل به ونحو ذلك) السؤال الأول من الفتوى رقم (21166) انتهى. ومن أسباب الردة في المجتمع الإسلامي مجالسة أهل الأهواء والشبهات فيقذفون شبههم فلا يستطيع ردها لجهله وعدم رسوخ العقيدة في قلبه،وكذلك التتلمذ على أهل البدع والأهواء وعلى الأعداء من اليهود والنصارى وخصوصاً في المدارس النظاميَّة في الدول التي لا تدين بدين الإسلام أو عبر المدارس الاستعماريِّةفي الدول الإسلاميَّة وذلك طمعاً في الحصول على الشهادات العلميَّة العليا. مما ينبغي الحذر والتحذير من تلك المدارس والجامعات ووجوب حفظ أبناء المسلمين منها لما فيها من أسباب الردة والفساد والفسوق والعصيان، فانصحوا أقاربكم وإخوانكم المسلمين بالتحذير منها قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: (ويجب على الوالي المسلم إقامة حدِّ الردة على أصحابها بعد وجود أسبابها وانتفاء موانعها حمايةً للدين وردعاً للعابثين وطاعةً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وإقامةِ الشرع المطهر). انتهى وكذلك الحذر مما يبث في وسائل الإعلام المتنوعة من دعوة للردة، وقذفٍ بشرر الشبهات وتسلط الزنادقة والملحدين في نشر باطلهم عبرها فيتأثر المتلقي سلباً، ومن أعظم الأضرار المترتبة على الردة أنها توجب لصاحبها الخلود في النار، كما أنها مصدر من مصادر التعاسة والشقاء في الدنيا، ومن أعظم الأضرار العائدة على المجتمع الإسلامي أنَّ الردة تلقي عبئاً ثقيلاً من الحذر والاحتياط إذا تمكَّن المرتد من الفرار إلى الخارج فيفتح عليها ثغراتٍ للإضرار بها بما يقدمه للأعداء من معلوماتٍ يبنون عليها خطتهم في مواجهة المسلمين، كما قد يكون المرتد قدوة للبسطاء حين يظفر بحماية الأعداء وما يغدقون عليه من رفاهية العيش، وأرى أهمية وضع آليةٍ مناسبةٍ جادةٍ لمتابعة ومحاسبة ما يُكتب في المطبوعات ووسائل التواصل الاجتماعي بالانترنت وما ينشر في القنوات الفضائية فيما يتعلق بالردة، حماية للدين وإقامة لشريعة الله.


http://www.al-jazirah.com/2012/20121026/rj4.htm

الخميس، 23 مايو 2013

لطفاً يا ابنتي.. فهذه وصيتي

ابنتي يا ثمرةَ فؤادي وقرَّة عيني, يا زهرةً نقيَّةً طاهرةً, اعلمي أنّي أكتبُ لك منْ قلبٍ ملؤه حنانٌ وعطف, ابنتي: احرصي على طاعة الله في كل أحوالك واعلمي أنَّه سبحانه مراقبٌ حركاتك وسكناتك في ظاهر أمرك وإسرارك, فالزمي التوجيه النبويَّ تُفلحي وترشُدي, واعلمي أنَّ العلم الشرعي خيرُ زادِ أهل التقوى, فاطلبي العلم النافع, علمُ الكتاب والسنة مقتديةً في ذلك بالعالمات الصالحات من المؤمنات كأمِّ المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- فقد كانتْ عالمةً أفادتْ بعلمها طلاَّب العلم وسائليه, وكذلك بقيَّة أمهات المؤمنين كحفصةَ بنت عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- وأمِّ المؤمنين أمّ سلمة -رضي الله عنها- وغيرهنَّ ممنْ عاصرهنَّ أو منْ جاء بعدهنَّ, فسيرهنَّ عطِرةٌ خلَّدها التاريخ فاقرئيها ففيها نفعٌ لمنْ كان ذا لب.

ابنتي لا تؤخري الصلاة عن وقتها وأقيميها كما أمرك الله... ابنتي احرصي على دراستك وجِدي واجتهدي ولا تشغلنَّكِ عنْ معاونتك لوالدتك, ابنتي اعلمي أنَّ البيت هو مملكتك وفيه قرارك ووظيفتك الأولى في الحياة, فلا تهملي أعمال تلك المملكة, فخدمتُك فيه شرفٌ لك, ابنتي إن الوقت ثمين فلا تضيعيه في التنقل من سوقٍ إلى سوق؛ لشراء ما تحتاجين, بلْ ليكن شراء ما تحتاجين إليه من سوقٍ واحد, ابنتي أعلمُ أنَّ المظاهر لها اعتبارها لديكنَّ أيَّتها البنات إلا أني أريد أنْ يكونَ اهتمامُك الأغلبُ لأخلاقك وسموِّ أعمالك, فالمظهرُ الخارجيُّ لا يفضلُ أهميةً عن السموِّ الروحي والنبل الأخلاقي, ابنتي إذا عرضتْ لك مشكلة فلا تترددي في عرضها على والدك فهو أقدرُ على حلِّها بحكمةٍ ورويَّة, ولا يكنْ خوفك أو خجلك قائداً لعدم إخباره، فإنَّ في إخبارك له حماية لك وفرجاً قريباً بإذن الله تعالى, ابنتي إنَّ الأعوام تتوالى والوقت يمضي وغداً تكبُري فتبلُغي سِنَّ الزواج وتدخلي في بناء أسرةٍ أنتِ أساسٌ من أُسسِها وعَمَدٌ من أعمدتها فاحرصي على الاقتران بالرجل الصالح صاحب الأخلاق الفاضلة، واسمعي لوالديك في ذلك فإنهما ينصحانِ ويريانِ ما لا ترين؛ لما لهما من سابقِ معرفةٍ ودرايةٍ وتجربة, وإذا تمَّ الزواج فنصيحتي لك ألا يرى زوجك منك إلا خيراً, وكوني له أمةً يكنْ لك عبداً, ابنتي إذا دخلتِ بيت الزوجيَّة فاحرصي على إرضاء ربِّك وأطيعي زوجك؛ فطاعتُه عبادةٌ وفي القيام بحقوقه أداءٌ لما أوجبَه الله عليك, فاحفظي بيته وماله ولا تراجعيه في أمرٍ أمضاه ما لم يكن إثماً, واعلمي أنَّه لا طاعة له في معصية الله ولو غضب عليك فرضى الله مقدَّمٌ على رضاه، واحذري إغضابه فيما لا معصية فيه, فإنَّ الملائكة تلعنُ المرأة إذا باتت وزوجها عليها غضبان حتى تصبح, واعلمي أنَّ البيوت لا تخلو من المشاكل بين الزوجين منْ خلافٍ في رأي أو وجهةِ نظرٍ فكوني حكيمةً صابرةً حليمةً متأنية, ابنتي احرصي على بيتك واحذري إهمال زوجك ومسكنك, وليكنْ ملبسك وتجمّلك عنده مرضيَّاً, وعند غيره من محارمك ساتراً ضافياً, ابنتي إذا منَّ الله عليك بأبناءٍ وبناتٍ فأحسني تربيتهم وتأديبهم, ربِّيهم على مكارم الأخلاق وطيِّب الكلام, فأنتِ مدرسةٌ لأبنائك وصلاحُهم صلاحٌ لك في بادئ أمرك ومنتهاه, وإذا رأيت منهم ما يضايقك فادع الله لهم بالهداية والتوفيق والصلاح فإنَّ الله يجيبُ دعوة من دعاه لاسيَّمادعوة الوالدين, فصلاح الولد لا ينقطع معه عملك بعد موتك وذلك بدعائه لك وتصدقه عنك, ابنتي لا تظني أنَّ سعادة الدنيا كاملةٌ, بلْ سعادتها ناقصةٌ لما يشوبها من الكدرُ والتنغيصُ لا كسعادة الآخرة الكاملة التي يختصُّ الله بها برحمته عباده المؤمنين ...

ابنتي الزمي الحجاب الشرعي, فغطاء الوجه والكفين والرجلين وسائر الجسم واجبٌ, ولا تفعلي فعل اللاتي تهاونَّ بالحجاب فكشفن وجوههن ونحورهن... ابنتي أعلمُ أنَّك حريصة على طاعة الله فاجتهدي في حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة ليكونا لك نبراساً ومنهاجاً ودليلاً وهادياً, فكلاهما وحيٌ من عند الله تعالى، ومنهما ينبعُ مصدر السعادتين في الدنيا والآخرة, وإذا فضُل لديك مالٌ فتصدقي, واعلمي أنَّ اللجوء إلى الله في الرخاء سبيلٌ لتفريج الكربات حال الشدائد, فكوني ملتجئة إليه على الدوام, وأوصيك بتقوى الله, حفظكِ الله ورعاكِ وأسعدكِ في دنياكِ وأخراك, والله يتولاني ويتولاكِ بحفظه ورعايته, والسلام عليكِ ورحمة الله وبركاته.


http://www.al-jazirah.com/2012/20121019/rj11.htm 

البخل خلق مذوم يردي بصاحبه

البخلُ خلافُ الكرم، والبخيلُ هو صاحب البخل وجمعه بخَّلٌ وبخَّالٌ، والمبخلة هو: السبب الذي يحمل على البخل لحديث (إنَّ الولد مبخلةٌ مجبنةٌ محزنةٌ) صححه الألباني في صحيح الجامع (1986) أي أنَّه مظنة لأنْ يحمل أبويه على الجبن والجهل والبخل ويدعوهما إلى ذلك. قال الجرجاني: البخل هو: المنع من مال نفسه. والشح هو: بخل الرجل من مال غيره. وقيل: البخل ترك الإيثار عند الحاجة. التعريفات ص (42/43). وقال القرطبي: البخل المذموم في الشرع: هو امتناع المرء أداء ما أوجب الله تعالى عليه. تفسير القرطبي (5/126). وقال الجاحظ: (البخل خلقٌ مكروهٌ من جميع الناس، إلا أنَّه من النساء أقلُّ كراهية، بل قد يستحبُّ من النساء البخل (والمقصود البخل بمال أزواجهن إلا أنْ يؤذنَّ بالجود) وأما سائر الناس فإنَّ البخل يشينهم، وخاصة الملوك والعظماء،فإنَّ البخل أبغضُ منهم أكثرُ مما هو أبغضُ من الرعيَّة والعوام، ويقدح في ملكهم، لأنَّه يقطع الأطماع منهم ويبغِّضهم إلى رعيتهم)تهذيب الأخلاق ص 33 والبخل نوعان: الأول: بخلٌ بمقتنيات نفسه. الثاني: بخلٌ بمقتنيات غيره، وهو أكثرهم ذمَّاً، قال تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } (37) سورة النساء37، الحديد24 قال الماوردي: (قد يحدث عن البخل من الأخلاق المذمومة أربعة أخلاقٍ ناهيك بها ذمَّاً وهي: الحرص والشَّرَه وسوء الظن ومنع الحقوق.... وإذا آل البخيل إلى ما وصفنا من هذه الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول) أدب الدنيا والدين (228). قال ابن قدامة المقدسي: (اعلم أنَّ السخاء والبخل درجات، فأرفع درجات السخاء الإيثار: وهو أنْ تجود بالمال مع الحاجة إليه. وأشدُّ درجات البخل: أنْ يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة إليه، فكم من بخيلٍ يمسك المال ويحرص فلا يتداوى، ويشتهي الشهوة فيمنعها منه البخل، فكم بين من بخل على نفسه مع الحاجة وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة فالأخلاق عطايا يضعها الله حيث يشاء) مختصر منهاج القاصدين (205-206) مختصرا. ومن الآيات الدالة على ذم البخل قوله تعالى:(ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير) آل عمران 180،وقال تعالى{هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (38) سورة محمد 38.ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً للبخيل والمنفق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثلُ البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديدٍ من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت، أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره. وأما البخيل فلا يريد أنْ ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها فلا تتسع) أخرجه البخاري الفتح (3-1443) واللفظ له ومسلم (1021) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شر ما في رجل: شحٌّ هالع، وجبنٌ خالع) صححه الألباني في السلسة الصحيحة وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع غبارٌ في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبدٍ أبداً، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبدٍ أبداً) أخرجه النسائي (6/13) واللفظ له، وأحمد (2/256) قال أحمد شاكر: إسناده صحيح .وقال علي رضي الله عنه: (البخل جلباب المسكنة، وربما دخل السخي بسخائه الجنة) الآداب الشرعية (3/312)، وقالت أمُّ البنين أخت عمر بن عبدالعزيز: (أفٍّ للبخيل، لو كان البخل قميصاً ما لبسته، ولو كان طريقاً ما سلكته) وقال أبو حنيفة:(لا أرى أنْ أعدِّل بخيلاً، لأنَّ البخل يحمله على الاستقصاء فيأخذ فوق حقه خيفة أنْ يغبن، فمن كان هكذا لا يكون مأمون الأمانة) وقال بشر الحافي:(لا تُزوّج البخيل ولا تعامله، ما أقبح القارئ أنْ يكون بخيلاً) وقال أيضاً: (النظر إلى البخيل يُقسِّي القلب، ولقاء البخلاء كربٌ على قلوب المؤمنين) وقال ابن المعتز:(بشِّر مال البخيل بحادثٍ أو وارثٍ) الإحياء (3/255-256) وقال الأصمعي:(سمعت أعربياً وقد وصف رجلاً فقال: لقد صغر فلان في عيني لعظم الدنيا في عينه، وكأنما يرى السائل ملك الموت إذا أتاه) الآداب الشرعية (3/313). وقال أبو إسحاق الموصلي:
وآمرةٍ بالبخل قلتُ لها اقصـري

فليس إلى ما تأمـرين سبيلُ

أرى الناس خِلاَّن الجواد ولا أرى

بخيلاً لـه في العالمين خليـلُ

وإني رأيت البخل يُزري بأهلـه

فأكرمتُ نفسي أنْ يقال بخيلُ

ومن خير حالات الفتى لو علمته

إذا نال شيئاً أنْ يكـون يُنيلُ

عطائي عطاء المكثرين تكرُّماً

ومالي كما قد تعلمين قليـلُ

وكيف أخافُ الفقر أو أُحرم الغنى

ورأي أمير المؤمنين جليـلُ
ومن مضار البخل أنَّ صاحبه محرومٌ في الدنيا مؤاخذٌ في الآخرة، وأنَّه أصلٌ لنقائص كثيرةٍ ويدعو لخصالٍ ذميمةٍ، وأنَّه دليلٌ على قلة العقل وسوء التدبير، وأنَّه دليلٌ على سوء الظن بالله، وأنَّه لا يجتمع مع الإيمان، وأنَّ صاحبه لا يكون سيَّداً، وها قد علمتَ ما في البخل من مضارٍ متعددةٍ فاحرص أنْ لا تكون فيك هذه الخصلة الذميمة. اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أنْ أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر.

http://www.al-jazirah.com.sa/2012/20120308/rj6.htm

مجالسة كبار السن الأهمية وكيفية التعامل

يزهد كثير من الشباب في مجالسة كبار السن وسماع حديثهم، ويؤثرون الانشغال بوسائل التقنية الحديثة في حضرتهم، وهذا من الخلل الذي يحسن التنبيه إليه، لذا رأيت أن أكتب ما أرجو نفعه للشباب، إذ لمجالسة كبار السن من الفوائد الشيء الكثير منها: أولاً: الإفادة من المعرفة التي حصلوها في حال صِغرهم وكِبرهم، وخصوصاً أنها لم تكن علماً مكتوباً يُدرّس، إنما تؤخذ المعارف التي حازوها بالمشافهة غالباً، ثانياً: التعرف عن قرب للحياة التي عاشها أولئك الآباء بحلوها ومُرّها، ثالثاً: الإفادة من الحكم والأمثال وشواردها التي لا يعرفها الكثيرون سواء من عامة الناس أو من حملة الشهادات. رابعاً: الإفادة من القصص التي يوردونها والتي فيها من تربية النفوس وتهذيبها الشيء الكثير. خامساً: معرفة الصلات الاجتماعية ووصل الأرحام والبر بالآباء في زمنهم، مما يتبين لك قوة الترابط الذي بينهم. سادساً: استلهام الدروس التربوية التي كانوا يتمتعون بها للإفادة منها عصرياً. سابعاً: إلقاء الضوء على شيم الرجال ونبل الأخلاق التي تمتعوا بها. ثامناً: وفي مجالسة كبار السن تذكير بالله حيث لن تخلو مجالسهم من موعظة أو نصيحة ينتفع بها، ومن الأهمية بمكان في التعامل مع كبار السن مراعاة ما يلي: أولاً: توقيرهم واحترامهم. ثانياً: عدم السخرية بهم. ثالثاً: عدم تجهيلهم ولو أنك ترى فيما قيل خطأ، بل ينبغي معالجة الخطأ بأن تقول الصواب بحكمة ورزانة، ولن تُعدم قربهم وقبولهم. رابعاً: أن تشكرهم على ما أفادوك به وتدعو لهم. خامساً: أن تعاملهم كالآباء ليعاملوك كالأبناء. سادساً: أن تتعاهدهم بالزيارة والسؤال عن حالهم وعيادتهم إذا مرضوا. سابعاً: أن تتلطف في العبارة معهم.. ثامناً: أن تكون مستمعاً إليهم أكثر من أن تكون متحدثاً. تاسعاً: الصبر على بعض الألفاظ الجافية إن صدرت من أحدهم، وليكن صدرك رحباً. وختاماً فاحرص أيها الشاب على مجالس كبار السن وأنا لك ضامنٌ بالإفادة منهم، وسوف تتمنى لو تقدمت في مجالستهم، واعلم وفقك الله ورعاك أنَّ العلوم التي حصَّلوها والخبرة التي اكتسبوها في صناديق مغلقة ولا يُنفذُ إليها إلا بمفتاح وقليلٌ من يملك ذلك المفتاح.


http://www.al-jazirah.com.sa/2012/20120110/rj5.htm
 

التعقيب على الشيخ بدر الضيط حول العصبيات القبلية



الأخ يوسف العتيق المشرف على صفحة وراق الجزيرة -وفقه الله.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:-


فقد اطلعتُ على ما نُشر في جريدة الجزيرة في صفحة الوراق في العدد رقم (13240) من أمر مهم يمس مجتمع بلدنا المتآلف، حيثُ جاء التركيز على مسألة التعصب والعنصرية، واستمتعتُ بقراءة الحوار مع الشيخ بدر الضيط, وكذلك المقالين الآخرين لكم، والموضوع الذي تطرقتم إليه جاء في وقته، إذ بدت العصبيات تكشّر عن أنيابها في توسّع وانتشار بدا كالظاهرة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، مما أثّر جليَّاً في نفوس الناس وخصوصاً الشباب منهم، فبدت مظاهر احتقار الناس بعضهم البعض عن طريق الطعن في القبائل والعشائر والأسر سواء على الشبكة العنكبوتية أو بعض القنوات الفضائية، فثارت نعرة من نعرات الجاهلية التي دورها التفريق والتحزب لا الاجتماع والألفة. ولا ريب أن التفرق يزيد الأمة ضعفاً إلى ضعفها، والإسلام أمر المسلمين بالاجتماع والتآلف والمحبة كي يصبح المجتمع قويَّاً مهاباً. فكان لزاماً على العقلاء التحذير من العصبية القبلية التي من ضمنها الطعن في الأنساب. وليعلم الطاعن فيها أنَّه وافق أهل الجاهلية في هذه الخصلة المذمومة، فالإسلام لم يفرق بين أبيض وأسود ولا قبلي وغير قبلي بل جعلهم كلهم سواء، يعبدون ربَّاً واحداً، ويتبعون نبيَّاً واحداً وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ويدينون بدين واحد وهو الإسلام، وأبوهم واحد وهو آدم عليه السلام، فلا يجوز لأحد كائناً من كان أنْ يفتخر بحسبه وأجداده وما حصَّلوه من مجد وقوة وسؤدد، قال الشاعر:
إنَّ الفتى من يقول ها أنا ذا
ليس الفتى من يقول كان أبي


كما لا يجوز للمرء أنْ يطعن في أنساب الناس وآبائهم وأجدادهم لما رواه أبو مالك الأشعري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - (أربعٌ في أُمتّي من أمر الجاهليَّة لا يتركونهن.. الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت)، أخرجه مسلم. ولا شك أنَّ المفاخِرَ بحسبه والطاعن في الأنساب فيه خصلتان من خصال الجاهلية لا تزال فيه حتى يدعها، وتدل على جهل وحمق الواقع فيها. قال العلاَّمة محمد ابن عثيمين - رحمه الله - الفخر هو التعالي والتعاظم على الناس بالآباء ومآثرهم، أي يفخر بسبب الحسب، والحسب هو ما يحتسبه الإنسان من شرف وسؤدد، كأنْ يكون من بني هاشم فيفتخر بذلك أو من آباء وأجداد مشهورين بالشجاعة فيفخرُ بذلك، وهذا من أمر الجاهلية لأن الفخر في الحقيقة يكون بتقوى الله تعالى الذي يمنع الإنسان من التعالي والتعاظم، والمتقي هو الذي كلما ازدادت نعم الله عليه ازداد تواضعاً للحق وللخلق. وقال عند قوله (والطعن في الأنساب) أنَّ الطعن هو العيب لأنَّه وخزٌ معنويٌ كوخز الطاعون في الجسد، ولهذا سمي العيب طعناً، كأن تقول له يا ابن الدباغ. (انتهى).


ونحن في هذه البلاد المباركة لدينا من الألفة والترابط والتلاحم ما يحسدنا عليه غيرنا، فقد جمع الله شملنا بعد تفرق وشتات، بعد توحيد البلاد على يد المؤسس الإمام المصلح الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- كما إنَّ إثارة الأمور التي تفرِّق من عصبية ونحوها من الأشياء المنكرة يجب معالجتها وفق ضوابط الشرع المطهر. وفي نظري أنَّ متابعة كل ما من شأنه إثارة وإذكاء العصبية القبيلة أمرٌ مطلوبٌ متحتمٌ كي لا تكثر ولا تستشري في الناس فيصبحوا فرقاً وأحزاباً، وأيضاً محافظة على لحمة الوطن الواحد - زاده الله قوة وتماسكاً لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.


وإليكم أوجه نصحي يا من وقعتم في العصبية أنْ تعودوا كما هو توجيه الإسلام، ففي الحديث الذي رواه البخاري عن سليمان بن حرب وساق إسناده إلى المعرور قال: لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة فسألته عن ذلك فقال إنّي ساببتُ رجلاً، فعيّرتُه بأمّه فقال ليَ النبي صلى الله عليه وسلم (يا أبا ذر أعيَّرتَهُ بأمّه، إنّك امرؤٌ فيك جاهليّة..) الحديث. فعلى المرء أن لا يعيِّر أحداً بأمّه أو أبيه فلا يقول يا بن السوداء وما ماثلها. وإذا كان الإسلام يحثُّنا على احترام بعضنا البعض وينهانا عن التعصب القبلي وغيره من التعصبات التي تفرق الأمة الإسلامية وتهدد كيانها، فعلينا جميعاً أنْ نتوجّه لتوجيهاته ونمتثل لأمره.


والملاحظ في الآونة الأخيرة ظهور بعض القنوات الفضائية وبعض المنتديات على الشبكة العنكبوتية التي قد يكون لها أثر مباشر أو غير مباشر في إشعال نار العصبية القبلية، كما أنَّ تعاهد النصح للقائمين عليها أمرٌ مطلوب حفاظًا على مجتمعنا من التفرق والتحزب.. والله الموفق. 
 

رداً على د. العوين التطوير في (جامعة الإمام) يحتاج إلى استحداث أقسام شرعية جديدة وفروع أخرى في أحياء الرياض

قرأتُ ما كتبه الأخ د. محمد بن عبدالله العوين في زاويته (كلمات) بعنوان (خطوات التطوير المنتظرة في جامعة الإمام ما زال لها بقية!) في يوم الأربعاء 14-6-1434هـ العدد رقم (14818) والذي ابتدأ مقاله عن صدور الموافقة على فصل كليَّة الإعلام عن كليَّة الدعوة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة وما ذكره من مقترحات, ولي مقدمةٌ ووقفاتٌ أوجزها فيما يلي:

المقدمة: أنَّ الهدف من إنشاء جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة هو في تدريس العلوم الإسلاميَّة على مختلف التخصصات الشرعيَّة, وأنَّ ما أضيف إليها من غير التخصصات الشرعيَّة, تدخل مقررات المواد الشرعيَّة فيها ضمناً, مما يميِّز خريجي الجامعة عن غيرها.

الوقفة الأولى: إنَّ تطوير الجامعة همُّ كل محبٍّ لهذه الجامعة العريقة التي آتت ثمارها حلوة طيبة, والتطوير إنما يكون في استحداث أقسامٍ وكليَّاتٍ شرعيَّةٍ جديدةٍ؛ للنهوض بالعلوم الإسلاميَّة بما يوافق متطلبات العصر.

الوقفة الثانية: بما أنَّه تمَّ فصل الإعلام في كليَّةٍ مستقلةٍ عن كليَّة الدعوة, فإني أقترح أنْ يحدث قسمٌ جديدٌ في كليَّة الإعلام, يختصُّ بالإعلام الدعوي؛ للنهوض بالإعلام فيما يخدم الدعوة الإسلاميَّة, خصوصاً مع تعدد الوسائل الإعلاميَّة وتنوعها, وأهميَّة استثمارها في الدعوة إلى الله, كالقنوات الفضائيَّة, والمواقع على الشبكة العنكبوتيَّة, والإذاعات والصحف والمجلات, وفي ذلك فتحٌ لسبل خدمة الدين وأهله, وتأصيل ذلك في نفوس الناشئة من الطلاب.

الوقفة الثالثة: عجبت من طلب الدكتور في مقاله ضم كليَّة أصول الدين إلى كليَّة الشريعة, وكيف أنَّه لم يميز التفريق بينهما في المناهج والتخصصات؟! أليس يعلم أنَّ كليَّة أصول الدين تركز على مواد العقيدة الإسلاميَّة التي هي الفقه الأكبر, وتركز أيضاً على دراسة الفرق والملل والنحل, والتفسير وعلوم القرآن, بينما كليَّة الشريعة تركز على فقه العبادات, وفقه المعاملات, وأصول الفقه.

الوقفة الرابعة: عجبتُ أيضاً من طلب الدكتور في هذا المقال, من التخفيف من المواد غير التخصص في قسم الأدب في كليَّة اللغة العربيَّة, مثل مادة التفسير والحديث والثقافة الإسلاميَّة وحفظ القرآن الكريم. وأقول: إنَّ المواد الشرعيَّة في جميع أقسام الكليَّات في جامعة الإمام موادٌ أساسيةٌ مهمَّة في مخرَّجات الجامعة, ينبغي الاهتمام بها أكثر, لا أنْ يُتخفف منها, ولو افترضنا جدلاً خلو قسمٍ من الأقسام من المواد الشرعيَّة؛ لكان الطلب إلى إدخالها هو الصواب والمتعين, توافقاً مع رسالة الجامعة السامية للمجتمع.

الوقفة الخامسة: إنَّ في تساؤل الدكتور في مقاله, وتعجبُّه من استحداث قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي في عام 1395هـ تساؤلٌ يُستغرب, وأعجب من ذلك الحجَّة التي ذكرها بقوله: (كيف يمكن أنْ يدرس منهجُ أدبٍ إسلاميٍّ في بلادٍ لا تدين إلا بالإسلام ..) هل يريد الدكتور -وفقه الله- أنْ يلغى هذا القسم؟! بحجَّة أننا في بلد إسلامي, فهذه حجةٌ عليه لا له؛ لأنه يتعين على المسلمين الاهتمام بدراسة كل ما له علاقة بالإسلام, سواء علاقة مباشرة أو علاقة غير مباشرة, مع العلم أنَّ التخصصات الإسلاميَّة هي من صميم رسالة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة, والتي ما أنشئت إلا خدمةً للعلوم الشرعيَّة, وارتقاءً بالمستوى العلميِّ الشرعيِّ في المجتمع السعودي.

الوقفة السادسة: ألتمس من أصحاب القرار في وزارة التعليم العالي ومن معالي مدير جامعة الإمام الدكتور سليمان أبا الخيل أنْ تُنشأ في الجامعة كليَّة لعلوم القرآن الكريم, وكليَّة للفرق والمذاهب المعاصرة, وكليَّة للحديث وعلومه, وأنْ تُنشأ كليَّة أخرى للشريعة يكون مقرها في غرب الرياض؛ ليسهل وصول الطلاب إليها, خصوصاً أنَّ كثيراً من طلاب كليَّة الشريعة, هم من سكَّان غرب وجنوب الرياض, وكم أتمنى أنْ يفتتح فرعٌ للجامعة في غرب الرياض؛ لحاجة أبناء تلك الأحياء لكليَّات قريبةٍ منهم, وفي ذلك أيضاً تخفيف الحمل والعبء على الجامعة الأم في شمال الرياض.

الوقفة السابعة: أرغب من معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة الذي لا يألو جهداً في النهوض بالجامعة أنْ يفتتح معاهد علميَّةٍ جديدةٍ في مدينة الرياض وغيرها من المدن الكبرى, وذلك لكثرة الإقبال عليها من قبل أبنائنا الطلاب, وأرغب منه أيضاً افتتاح معاهد علميَّةٍ للبنات أُسوةً بالذكور, وذلك لأنَّ المعاهد العلميَّة منارات علميَّة بارزة؛ لما فيها من مناهج شرعيِّةٍ مكثفةٍ تفيد النشء في دينهم ودنياهم.

http://www.al-jazirah.com/2013/20130503/rv4.htm