الاثنين، 27 مايو 2013

طريقك إلى السعادة بالقناعة

القناعة مفتاحٌ عظيمٌ من مفاتيح السعادة، بل هو الركن الأقوى للحصول على السعادة، والقناعةُ هي الرضا بما قَسَمَ الله لعبده من الرزق، وكثيرٌ من الناس في هذا الزمن إلا من رحم الله حُرموا القناعة، فأصابهم من التعاسة والشقاء ما أصابهم، وانتشرت الأمراض النفسية التي لم تكن معروفة من قبل في بلادنا، وعدم القناعة بما قَسَمَ الله يجرُّ إلى محظوراتٍ منها الحسد والكذب وأكل المال الحرام والغيبة والنميمة وغيرها من الآفات، وإنَّه من حسن إسلام المرء قناعته بما قَسَمَ الله، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد أفلح من أسلم، ورُزقَ كفافاً، وقنَّعه الله بما آتاه) أخرجه مسلم (1054)، فالقناعة ركنٌ ركينٌ للفلاح في الدنيا والآخرة، ومن المعلوم أنَّ النفس تطمح إلى أنْ تتبوأ أرفع المقامات، وأنْ تكون ممن يشار إليها بالبنان، وتتمنى لو حازت من الأموال الطائلة ما يجعل لها المكانة العالية لدى الخاص والعام، ولأجل هذا تجد غالب هؤلاء ينظرون إلى ما في أيدي الناس من الخيرات والأرزاق التي منَّ الله بها عليهم، إلى أنْ وصل الحال ببعضهم أنْ يحسب ما يدخل على فلانٍ من الأموال بصفةٍ شهرية، وتجده دائماً يردد: فلانٌ يملك كذا وكذا، ويأخذ في تعديد أمواله حتى كأنه موكل بمعرفتها وحصرها، وهذا الصنف من الناس تجده دائم الهم والغم، ضائق الصدر حزيناً، يغضب لأتفه الأسباب، لذا كان التوجيه النبوي بأنْ ينظر المرء إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من فوقه في أمور الدنيا ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله) أخرجه البخاري الفتح (11-6490) ومسلم (2963) واللفظ له. ولو تمعن المرء هذا الحديث وطبَّقه في حياته لما رأيت الحسد، ولما رأيت كفران النعم ونكرانها، ولما رأيت المتسخِّط ولا المتشكي في الناس، ولرأيت الرضا وتمام الشكر لله على عموم نعمه، وعلى من ابتلي بعدم القناعة أو خشي على نفسه الوقوع في ذلك أنْ يدعوَ بما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبةٍ لي بخير) أخرجه الحاكم في المستدرك (2-445) وقال صحيح الإسناد، وأخرجه ابن السني في القناعة (57) وقال مخرجه: سنده صحيح ورجاله ثقات جميعاً.كما إنَّ على المرأنْ ييأس مما في أيدي الناس قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنَّ الطمع فقرٌ، وإنَّ اليأس غنى، إنَّه من ييأس عمَّا في أيدي الناس استغنى عنهم) انتهى، ولا شك أنَّ تعويد الإنسان نفسه على القناعة أمرٌ محمودٌ ممدوحٌ، قال أبو ذؤيب الهذلي:
والنفس راغبة إذا رغَّبتها

وإذا تُردُّ إلى قليل تقنعُ
وقال ابن القيم كما في تهذيب مدارج السالكين: (يكمل غنى القلب بغنىً آخر هو غنى النفس وآيته: سلامتها من الحظوظ وبراءتها من المراءاة) انتهى وقال بعض الحكماء: (وجدتُ أطول الناس غمَّاً الحسود، وأهنأهم عيشاً القنوع، وأصبرهم على الأذى الحريص إذا طمع، وأخفضهم عيشاً أرفضهم للدنيا، وأعظمهم ندامة العالم المفرِّط) وقال بعضهم: (ازهد بما عند الناس يحبّك الناس، وارغب فيما عند الله يحبّك الله) وسُئل بعض الحكماء: ما الغنى ؟ قال: (قلة تمنيك، ورضاك بما يكفيك) قال الشاعر:

إنَّ القناعة من يحلل بساحتها

لم يلق في ظلها همَّاً يؤرقه
وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -:

رأيتُ القناعة رأسُ الغنى

فصرتُ بأذيالها ممتسكْ

فلا ذا يراني على بابه

ولا ذا يراني به منهمكْ

فصرتُ غنيَّاً بلا درهمٍ

أمرُّ على الناس شبه الملكْ
ومن فوائد القناعة أنها من كمال الإيمان وحسن الإسلام، فالقنوع يحبّه الله ويحبّه الناس، ويجد سعادة في النفس بما قُسم له من الدنيا، ومن فوائدها إشاعة الألفة والمحبة بين الناس، ومما تقدَّم من قولٍ حول القناعة يتبين أهميَّة التخلق بهذا الخلق النبيل، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا واغفر لنا واعف عنَّا يا أرحم الراحمين.

http://www.al-jazirah.com.sa/2011/20110717/rj2.htm
 

الأحد، 26 مايو 2013

إلا عقوق الوالدين يا هؤلاء ( تعقيب على مقال د. عبدالرحمن العشماوي ) وفقه الله

سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
قرأت مقالاً للدكتور عبدالرحمن العشماوي في الزاوية التي عنون لها ب(العقوق ودموع الأم) في العدد رقم (13255) وقد تحدث عن الاتصال الهاتفي الذي تلقاه من أم مفجوعة من عقوق ابنها، وإن هذه القصة لتذرف لها دموع حرّى من ابن عاق قابل إحسان والدته بالإساءة، هذا بلا شك نكران للجميل وعصيان لرب العالمين، وإني أخاطب هذا الابن وكل ابن عاق أن يتقوا الله وأن يرجعوا إلى حيث أمر الله، فالله سبحانه وتعالى نهانا عن عقوق الوالدين قال تعالى: { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} الآية، قال العلامة عبدالرحمن ابن سعدي - رحمه الله - وهذا أدنى مراتب الأذى، تبة به على ما سواه، والمعنى لا تؤذهما أدنى أذية(1)، وقال عطاء ابن أبي رباح - رحمه الله - في قوله تعالى: { وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} أي: لا تنفض يدك على والديك(2). كما أن العقوق من أكبر الكبائر ففي الحديث الذي رواه أبو بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله. قال: ثلاثاً: الإشراك بالله وعقوق الوالدين. وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت)(3). فالعقوق أمره خطير وشأنه عظيم، وقد حذر عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - من مصاحبة العاق فقال لابن مهران: (ولا تصحبن عاقاً فإنه لن يقبلك وقد عق والديه)(4)، ولا ريب أن العقوق يحدث خللاً في المجتمع حيث إنه من أعظم أسباب التفكك الأسري الذي بدوره يجعل اللحمة الاجتماعية في حالة اضطراب وتفكك مشين، فليحذر الذين يعقون آباءهم أو من هم مقصرون تجاههم من العقوبة التي توعدهم الله بأنه لا ينظر إليهم يوم القيامة عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنّانُ بما أعطى)(5)، وليحذر العاق من العقوبة المعجلة له في الدنيا، قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم) أخرجه الإمام أحمد، فالتوبة التوبة يا من عققت والديك ما دمت في زمن المهلة، عد لرشدك فأحسن صحبتهما وبرهما امتثالاً لأمر الله سبحانه، وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فالله جل وعلا أمر بعبادته وتوحيده وجعل بر الوالدين مقروناً بذلك، كما قرن شكرهما بشكر الله، فقال تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}وقال سبحانه: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}، ويقول الله عز وجل: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}الآية، وقال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إحسانًا} الآية، كما إن بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها) قال: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين)، قال: ثم أي قال: (الجهاد في سبيل الله)(6)، ولعظم فضل بر الوالدين فإنه مقدم على الجهاد في سبيل الله إذا لم يكن متعيناً (أي فرض عين) عن معاوية بن جهامة السلمي - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: (ويحك أحية أمك؟) قلت نعم. قال: (ارجع إليها فبرّها)، ثم أتيته من الجانب الآخر، فقلت يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: (ويحك أحيّة أمك؟) قلت نعم. قال: (ارجع إليها فبرّها)، ثم أتيته من أمامه فقلت يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: (ويحك الزم رجلها فثم الجنة)(7)، كما إن البر يزيد في العمر، عن ثويان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القضاء إلا الدعاء)(8)، والوالدان هما أحق الناس بحسن الصحبة فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) قال ثم من؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك)(9)، ورضا الله في رضا الوالدين عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد)(10)، فهذه الأحاديث الشريفة كلها تحث على بر الوالدين فاحرص رعاك الله على فعل ما أمرت به قال الشاعر:
عليك ببر الوالدين كليهما
وبرّ ذوي القربى وبرّ بالأباعدِ
فيا من قصر تجاه والديه حاسب نفسك وانتبه عن تفريطك وتقصيرك، والزم طاعة والديك وأحسن إليهما كما أحسنا إليك صغيراً، ولا تقدم طاعة غيرهما على طاعتهما ما لم يكن إثماً، لا ترفع صوتك عندهما ولا تتصرف تصرفاً يغضبهما، ولا تمش أمامهما، وكن واصلاً لهما مودداً إليهما طالباً رضاهما، ولا تحد النظر إليهما قال مجاهد - رحمه الله -: (ما بر والديه من أحد النظر إليهما)، واعلم أنه مهما عملت وستعمل لوالديك من أمور البر فلن توفهما حقهما، وأنى لك بسداد دينهما عليك، وهما يضاعفان دينهما بدعائهما لك وخوفهما عليك ومحبتهما لك، وإني أحذرك من زوجة السوء التي تسعى للتفريق بين المرء ووالديه وأحدهما، فتجد بعض الأبناء هداهم الله لا يلبي طلب والديه إذا أمراه أو أمره أحدهما بقضاء حاجة يريدانها، وفي المقابل لا يرد لزوجته ما تطلبه بل يسعى جاهداً لإرضائها، وليس عيباً وخللاً أن يعاشر الرجل زوجته بالمعروف، بل الإثم في عدم خدمة الوالدين أو أحدهما متى ما طلبا شيئاً منه لأن الواجب عليه طاعتهما في كل ما يأمران به، أما الزوجة فليس واجباً عليه أن يطيعها في ما تأمر به بل الواجب أن يعاشرها بالمعروف، وكذلك الواجب على المرأة أن تطيع زوجها إذا أمرها بأمر لا معصية فيه وتأثم بعصيانها له، وإن مما يكدر الخاطر ويبعث في النفس الحزن ما يسمع ويقرأ من أن بعض الناس يقدم أمر زوجته على أمر والديه، وكذلك إهمال بعض الأبناء شأن والديهم بسبب تسلط زوجاتهم فحسبنا الله ونعم الوكيل، ومن عظيم شأن الوالدين أنه يجب الإحسان إليهما والرفق بهما ولو كانا مشركين، مع عدم طاعتهما في أي معصية قال تعالى: { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}.
وهذه أم أحد الأئمة وهو حيوة بن شريح كانت تقول له وهو جالس لتعليم الناس: قم يا حيوة فألق الشعير للدجاج، فيقوم من مجلسه ذاك طاعة لها وبراً بها مع ما هو فيه من الخير من تعليم الطلاب لعلمه أن طاعته لوالديه مقدمة على نوافل العبادات، فلله دره - رحمه الله -، ومن الفوائد المترتبة على بر الوالدين أنه دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام، وأنه من أفضل الطاعات وطريق موصل للجنة، ويرفع الذكر في الدنيا وفي الآخرة، وأن من بر بوالديه بر به أبناؤه.
وختاماً أوصي نفسي وأوصيكم بالبر بالوالدين وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا بارين بهما مطيعين لهما كما أمرنا.
(1) تفسير السعدي
(2) تفسير ابن كثير
(3) رواه البخاري واللفظ له، ومسلم
(4) المستطرف
(5) رواه النساني وقال الألباني حديث حسن صحيح
(6) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
(7) رواه النسائي والإمام أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.
(8) أخرجه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب وابن ماجه وهذا لفظه وحسّنه الألباني والحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(9) رواه البخاري ومسلم.
(10) رواه الترمذي وصححه الألباني.
 
 

أبو عبدالرحمن ابن عقيل نصحٌ بصريح القول وإفادةٌ بحقيقة الحال

سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد اطلعت على المقال الذي كتبه الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري -حفظه الله- يوم الأحد 15-7-1431هـ والعدد رقم (13786) وكتبت مُشيداً بما كتبه آملا نشره في صحيفتكم الغرَّاء.
ففي مقالٍ بديعٍ، وجُرأة ناصحٍ بصريح القول، وإفادةٌ بحقيقة الحال، ووعظٌ بأسلوب الرفيق الشفيق، أتحفنا شيخنا أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري بمقاله في العدد رقم (13786) الذي هو درَّةٌ من الدرر أثمرتْ وأينعتْ في حال الكبر، امتزج فيها حبٌّ مكنونٌ، ورفقٌ بالحكمة مصونٌ، خطَّه يراعهُ في العقد الثامن المبارك من عمره، بيَّن فيه بجرأته المعتادة ونصحه المعهود ليصحح خطأً وقع فيه من وقع، توشَّح بتوثيقٍ أصيلٍ وذوقٍ رفيعٍ، فاختصر الطريق لطالب الحقِّ، ليسلكه راغبٌ في النجاة منْ سيلٍ متلاطمٍ يكاد يُفقد ذوي العقول عقولهم من شُبَهٍ شابها هوى فزادها خوى، ولا ريب أنَّ الرجوع للصواب بعد العلم به، واللجوء إلى تصحيح ما اشتهر عن المرء، شجاعةٌ لا يقدر عليها إلا ذوي العقول الناضجة، فأصبح ابن عقيلٍ فينا منْ قبل ومنْ بعد ذا حسٍّ مرهفٍ، وذا شفافيةٍ قلَّ نظيرها بين أقرانه وبني زمانه، فلله درّه، فهو قدوةٌ لمنْ تبيَّن له الحق فعاد إليه أنْ يُشهر رجوعه عمَّا اشتُهر عنه بلفظه الصريح ليعلم الناس عوده المحمود، فتبرأ ذمّته، وتُحمدُ عاقبته، ولا ريب ولا شك أنَّ في توثيقه لمسألةٍٍ تهمُّ الأمَّة جمعاء درسٌ نافعٌ وموعظةٌ لطيفةٌ تؤنسُ أولي الألباب، وتُفيد الطلاب، وتجلِّي الغشاوة، ولقد استمتعتُ كما استمتع غيري بقراءة ما قال، وأبهرني أسلوبه وصدق لهجته ولطف عبارته، ودقة توثيقه، ورجاحة تصويبه، وزادني إعجاباً ما عرَضه منْ تجربته، فأحسستُ منه حنان الأبوَّة على البنوَّة أنْ يقعوا في خطأ تمَّ استدراكه منْ أبٍ مشفق، وأسعدني ما بسطه منْ كلامٍ كالدرِّ المنثور في حديثه عن القرآن الكريم بقوله ( لكنَّه يملأ القلب فرحاً وأشواقاً ليست كالأتراح والضيق التي تعقب سويعات الاستمتاع بالغناء، وهذه تجربةٌ صادقةٌ مارستُها في حياتي ...) إلى أنْ قال : (على أنَّ من التذَّ باستماع الذكر الحكيم بالتغني لا بالغناء لن يحتاج إلى متعةٍ سماعيَّةٍ أخرى)، قلتُ موافقاً : نعم كيفَ لا يملأ استماع القرآن الكريم وتلاوته القلب أفراحاً وأشواقاً وهو كلام الله الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (42) سورة فصلت، إنَّه القرآن الكريم الذي أعجز البلغاء ببلاغته والفصحاء بفصاحته قال تعالى?قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا? (88) سورة الإسراء، إنَّه القرآن الكريم الذي فضلُه لا يجاريه فضل كتابٍ، إنَّه المعجزة الكبرى والمنَّة العظمى من الله على بني الإنسان، منْ تلاه وحفظه أعطاه الله من الأجور بفضله ومنِّه وكرمه، فبكلِّ حرفٍ يُتلى منه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، كيف لا تكون السعادة بتلاوته واستماعه وفيه ومنه الشفاء من الأسقام الروحيَّة والجسديَّة بإذن إلهنا المنَّان وحده لا شريك له، ألم يقل الله تعالى: ?وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ?(82) سورة الإسراء، وقال تعالى: ?قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء?(44) سورة فصلت، وقال تعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ? (57-58) سورة يونس، هذا هو القرآن الكريم، فيه من الفضل ما يُعجزُ عن الحصر، وما أجمل تلك الوصية من الشيخ أبي عبدالرحمن ابن عقيل بالإفادة من مثل كتاب (تحريم آلات الطرب) للمحدِّث الألباني - رحمه الله- في صنعته الحديثية، وتحذيره من الكتاب الخاسر (أحكام الغناء والمعازف وأنواع الترفيه الهادف ) لسالم بن علي الثقفي، وفي خاتمة المسك لمقاله بعد سوقه لما قاله ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ (الغناء ينبت النفاق في القلب) فقال ابن عقيل لا جفَّ له قلم: (فأولُّ علامات النفاق أنَّنا نخفي استمتاعنا عن الصلحاء، وأننا نتظاهر بأنَّنا نروِّح عن قلوبنا، ونكتم ما في تلك القلوب من حبٍّ محرَّم، ولو أتيح بالحلال فهو لا يليق لفساد ذلك الوسط المحبوب.. وأنَّ قلوبنا مشحونة بالأماني المحرَّمة وأنَّ قلوبنا مستعبدة، وأنَّ ذلك صدَّنا عمَّا حُرِّم علينا هجره وهو القرآن الكريم والذكر الحكيم)، وما أجمل ما قال العلامة المحقق ابنُ القيّم في نونيته:
حبُّ الكتاب وحبُّ ألحان الغناء
في قلب عبدٍ ليس يجتمعان
وخاتمة القول ما كان منْ قول ابن عقيلٍ الذي هو المسك في تعطيره بقوله (فالحمد لله شكراً شكراً الذي أسرع بفيئتي قبل لقائي له، ومنحني التمييز بين مواضع الإحسان والإساءة في تأرجحات عمري المضطربة، فأسأل الله الثَّبات حتى الممات، وحسن الخاتمة..) قلتُ وأنا أحمد الله تعالى لتلك الفيئة وذلك التمييز، وأسأل الله لي ولك الثبات حتى الممات، وحسن الخاتمة، وأنْ يمنَّ علينا برضاه عنَّا في الأولى والآخرة، وأنْ يتجاوز عنَّا بمنَّه وكرمه وفضله وإحسانه ورحمته التي وسعت كل شيء.
 

أرعني سمعك يا ولدي

ولدي، إليكَ أسطّر كلاماً، فأرعني سمعكَ فإنّي أريدُ لك الخير وتوجيهك ونصحك، وهذا منْ حبّي لك، ولدي احرصْ على ما ينفعك في الدنيا والأخرى، وكنْ في جميع أحوالك محاسباً نفسك، ومراقباً ربَّك، فاحذرْ أنْ يراكَ حيثُ نهاك، لا تجعلْ الدنيا أكبر همّك ولا مبلغَ علمك، ولديْ اجعلْ القرآن الكريم أنيسك، والرجل الصالح جليسك، وإيَّاك وقيل وقال، ومجالسة الأشرار، ففي مجالستهم طريق يوصل إلى الهاوية، ولدي وثمرة فؤادي اعلم أنَّ السعادة لا تحصل بكثرة الأموال والأولاد، و إذا أردت السعادة فهي في طاعة الله وفي مجالس الذكر، وأعظم المجالس فضلاً مجالسُ العلماء الذين يعلِّمون الناس علوم الكتاب والسنة، أولئك القوم تحفّهم الملائكة وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم الله فيمن عنده، فهنيئاً لهم إذا قيل لهم: انصرفوا مغفوراً لكم، كما أنَّهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، فاحرصْ يا ولدي على حضور تلك المجالس في المساجد، وليكنْ تتلمذك على كبارهم، وقيّد الفوائد من شروحهم، ولا تظن أنَّ العلم يُنال بالسهولة، فلابدَّ من الصبر والمصابرة والجدِّ والمثابرة، وإنْ أشكلت عليك مسألة فلا تتردد بالسؤال لتعرف الجواب، و لتعلم أنَّ في طلب العلم ومجالسة العلماء سعادة ولذة لا يعرفها إلا من ذاق طعمها، ولدي إنَّ السعادة ثمَّ هنالك في مجالس الذكر، واعلم يا ولدي أنَّ في طلبك العلم رضا الله سبحانه، وكذلك فإنَّ الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، والحيتان في الماء تستغفر له، فهلْ بعد هذا فضل، يا ولدي اعلمْ أنَّ حاجة الناس للعالم بالكتاب والسنة أكثر من حاجتهم للماء والأكل، فاحرصْ على طلب العلم لعلَّك تكون من ورثة الأنبياء، ولدي عليك بمجالسة ذوي الرأي والحكمة ولك أنْ تسأل أين أجدهم ؟ تجدهم يا ولدي في العلماء العاملين، ومن ثمَّ كبار السن العقلاء الذين صقلتهم التجارب، وعاشوا عقوداً من الزمن في كفاحٍ وعراكٍ، إلى أنْ عرفوا منها ما يخوّلهم في عرض الرأي السديد والنصح الرشيد، واسمع من حديثهم وأخبار ما جرى في زمنهم، لتستفيد منها فتصل إلى ما وصلوا إليه من الرأي والحكمة على صغر سنٍّ، كنْ موقراً لهم، وإيَّاك والسخرية منهم أو الاستهزاء بهم، ولا تظن أنَّك أعرف منهم بعلمك وثقافتك، وإنْ ظننت ذلك فما ذاك إلا لجهلٍ فيك، عامل كبير السنِّ معاملة الأب يعاملك معاملة الابن، يا ولدي إنِّك سترى في الدنيا غرائب وعجائب، وبمخالطتك للناس سترى منهم أصنافاً وألواناً، ما كنت تتوقع رؤيتهم، فكنْ حليماً صابراً متأنياً، فالحلم خصلةٌ كريمةٌ تنال بها الأجر والثواب، والصبر دليل القوة، ومن صبر ظفر، والتأني سلامةٌ وتوفيق، يا ولدي إيَّاك احتقار وازدراء الناس فهي منقصةٌ وعيبٌ، ودليلٌ على سوء الخلق، ولتعلم أنَّ في احتقار الناس ظلما لهم، وكبرٌ في محتقرهم، فكنْ متواضعاً عارفاً للناس أقدارهم ومنازلهم، يا ولدي إيَّاك والفخر بآبائك وأجدادك وحسبك ونسبك فما في الفخر خيرٌ، لأنَّه لا ينفعك إلا ما قدّمت من عملٍ صالحٍ مخلصٍ فيه لله، واعلمْ أنَّ العقلاء وذوي الرأي والحصافة والعلم والدراية لا يفخرونَ بعملٍ عملوه أو علمٍ حصّلوه، بلْ يسألون الله الإخلاص والقبول في القول والعمل، وهم بين الخوف والرجاء، يخافون عقاب الله ويرجون رحمته، ولدي إنَّ الدنيا ممرٌ يمتحن فيه المرء فتجاوز الامتحان بالفوز الذي ينجيك، وقليلٌ هم الناجون، وهم عباد الله المؤمنون المستقيمون على طريق الحق، ولا يضيء هذا الطريق لك إلا العلم النافع فاسع جاهداً في تحصيل العلم النافع، ولتعلم أنَّه لا نور يضيء في الظلام الحالك إلا الكتاب والسنة فتعلمها وفق فهم سلف الأمة، ولتعلم أنَّ العلماء كالنجوم يهتدى بهم في الظلمات، وهم أهل الذِكر، وهم أخشى الناس لله، ولدي لا يغرنّك أصحاب الأموال الطائلة، والمراكب الفارهة، والقصور المشيَّدة، فهم يتمتعون بها في دارٍ زائلةٍ فانيةٍ، واللذة التي يتذوقونها إنَّما هي لذةٌ عابرةٌ، تنقضي سريعاً ويبقى الحساب عليها غداً، فاقنعْ بما عندك من المنزل والمركب والمال، ففي القناعة سعادةٌ ولذةٌ، كما أنَّ فيها الرضا والتسليم بما كتب الله لك من رزق، ولدي إنْ منَّ الله عليك بالمال والجاه فابذل المال وأنفق منه على المحتاج، ولا تبخل به فالمال مال الله والرازق المعطي ذو المنِّ هو الله وحده لا شريك له، وإنْ أقرضت إنساناً، ولم يستطع الوفاء فاعفُ عنه، لعلَّ الله يعفو عنك يوم القيامة، ولدي ليكنْ لك رأي رشيد، وإيّاك والتعصب للرأي، وإنْ علمت أنَّ في رأيك مخالفة للكتاب والسنة فاضرب به الحائط، و أخبر عن رجوعك للرأي الصواب، فالرجوع للحق محمودٌ، والبقاء على الخطأ مذمومٌ، ولدي اغتنم أوقاتك فيما ينفعك، فلا تُذهبها سدىً، فإنَّ مُضيَّ الوقت مُضيٌّ للعمر، وأعمار أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم قصيرةٌ، فأشغل وقتك بالمفيد، ولدي إيّاك واللسان فخطره عظيمٌ وآفاته كثيرةٌ، وأعظم آفاته الكذب وقول الزور والنميمة والغيبة، واحذرْ من قيل وقال، فلا تقل قال فلانٌ وقال، فكفى بالمرء كذباً أنْ يحدِّث بكل ما سمع، ولدي لا تغتر بنفسك إنْ مدحك المادحون، فمدحهم لا ينفعك وقد يضرك فتغتر بنفسك، وترى لك قدراً أكبر من قدرك، فاعرف قدرك ومنزلتك على الحقيقة حتى لا يدخل الغرور قلبك، وإذا سمعت مادحاً أمامك، فقل اللهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون، ولدي كنْ ذا أخلاقٍ فاضلةٍ، وعامل الناس بخلقٍ حسنٍ وحُبَّ لأخيك ما تحبُّ لنفسك، ولدي كنْ مع الحق حيث كان، و دُر معه حيث دار، كنْ متكاتفاً مع باقي إخوانك، وكونوا يداً واحدةً، واجتمعوا على الحق، وإيَّاكم والاجتماع على ما يخالفُ الحق، ولدي صِل رحمك وأقاربك، وبرّ أمَّك ووالدك، واعلم أنَّهما يريدان لك الخير، ويتمنيان أنْ يرياكَ صالحاً مصلحاً، يتمنيان لك التوفيق للخير والرشاد، وأنْ يرياك من عباد الله الصالحين، ولتعلم أنَّ قرار عينيهما إذا رأوك مطيعاً لهما عارفاً حقهما قريباً منهما دائم الزيارة لهما، وإنْ أشغلتك دنياك عن زيارتهما فاعلم أنَّك على خطأ، فالدنيا ومشاغلها ليست بأهم من تفقُّد والديك وصلتهما، ولدي اعلمْ أنَّ الصدق نجاةٌ وفلاحٌ، والمتصف بالصدق متصفٌ بصفات المؤمنين، والله يحبُّ الصادقين، و ما يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً، ولدي إنَّ الناس في هذا الزمن تغلب صفة الكذب صفة الصدق فيهم، فاحذرْ كذبهم وكنْ صادقاً معهم، ولدي إنَّ الصلة بالله من أعظم الصِّلات فكن دائم الصلة بربِّك وتذلل له، ولتكنْ مناجياً ربَّك في كلِّ ليلةٍ، وداوم على ذلك فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدومه وإنْ قل، ولدي إذا بلغت سنَّ الزواج فاختر زوجةً صالحةً من بيتٍ صالحٍ فإنَّ أوَّل إحسانك إلى أولادك اختيارُ زوجةٍ صالحةٍ من بيتٍ صالحٍ، واحذرْ خضراء الدمن وهي: المرأة الجميلة التي نبتت في منبتٍ سوءٍ، أيْ تربَّت تربيةً سيئةً، أو كان أهلها معروفون بالأخلاقِ الرديئة، عليك بالأسرة التي يكثرُ فيها الصالحون والمتعلِّمون، فإنَّ في القرب منهم غنيمة، ولدي كنْ في كلِّ أمورك متوكلاً على الله، واذكرْ نعم الله عليك وعلى والديك واشكر الله عليها، فالله يحبُّ الشاكرين، واعلمْ أنَّ فضل الله واسعٌ ورحمته وسعتْ كلَّ شيء، ولدي كنْ وفيَّّاً لأصحابك، واحذر أنْ تُقدِّمهم على والديك، فالبرُّ بالوالدين واجبٌ وفرضٌ، فلا يشغلنَّك أصحابك عنه، واحفظ لأمِّك حقَّها فحقُّها عظيمٌ، وبرّ بوالدك فبرّهُ واجبٌ وطاعته فرضٌ فيما لا يغضبُ الرب، ولدي إنَّ هذا زمن تكثر فيه الفتن فاحذرها وهي على نوعين فتن شبهات وفتن شهوات، فتعوَّذ بالله منها، واعلم أنَّها كلُّها خطيرةٌ إلا أنَّ فتن الشبهات أعظم خطراً ولا طريق للنجاة من فتن الشبهات إلا بتعلُّم العقيدة الصحيحة، وأنصحك بحفظ كتاب التوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد، والأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، ومسائل الجاهلية، وكشف الشبهات، ونواقض الإسلام العشرة، التي ألفَّها شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - وكذلك كتاب العقيدة الواسطيِّة لشيخ الإسلام ابن تيميَّة، وغيرها من الكتب ففيها حصانةٌ بإذن الله وحمايةٌ منْ أنْ تقع في تلك الشبهات، وإيَّاك والجلوس مع أهل الابتداع والضلالة خشية أنْ يقذفوا شبهة لا تستطيع ردَّها فتعلَقَ في قلبك، ولقد حذَّر الإمام أحمد - رحمه الله- من الجلوس مع المبتدعة وكذلك حذَّر منها باقي الأئمة الأربعة - رحمهم الله-، ولقد كان يزور المبتدعةُ الإمام أحمد فلا يستقبلهم ولا لبيته يدخلهم، وأمَّا فتنُ الشهوات فهي كل ما تشتهي النفس الأمَّارةُ بالسوء من فعل المعاصي والآثام، كالنظر المحرَّم مثل النظر إلى النساء الأجنبيات اللاتي لسن لهنَّ بمحرَم، وكذا النظر إلى الصور والأفلام التي فيها خلاعةٌ ومجونٌ، والسماع المحرَّم كسماع الأغاني والمزامير والموسيقى، والأكل المحرَّم كأكل لحم الخنزير، والشرب المحرَّم كشرب الدخان والخمر والمخدرات، والكلام المحرَّم كالغيبة والنميمة وفاحش الكلام والكذب، واحذر السبع الموبقات فهي المهلكة، ولدي إنَّ في خاطري كلاماً كثيراً، لا تفي به بضع صفحاتٍ، ولعلَّ فيما قلتُ كفايةٌ لمن عقل، وإنْ كان من خاتمةٍ فهيَ وصيتي إليك بالصلاة الصلاة، أقمها كما أمر الله، واتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن، وأسأل الله لي ولك توفيقاً وهدايةً وتمسُّكاً بالحق وثباتاً عليه والله يحفظك ويرعاك وأستودعك الله. 

http://www.al-jazirah.com/2009/20090203/rj4.htm

فضل العشر الأواخر من رمضان

من نعم الله على عباده أنْ جعل لهم مواسم يضاعف فيها الأجور والحسنات ويرغب فيها بفعل الطاعات, يتسابقون فيها إلى فعل الخيرات, ومن تلك المواسم موسم رمضان المبارك الذي فرض الله علينا صيام نهاره, واستُحب لنا قيام ليله والإكثار فيه من الطاعات وإعمار المساجد فيه بنوافل العبادات كصلاة التراويح والقيام وتلاوة القرآن الكريم والاعتكاف, والإكثار من الاستغفار والتسبيح والتهليل, ففي هذا الشهر تُفتح أبواب السماء وتُغلق أبواب النار وتُصفَّد فيه الشياطين.
وتتأكد فضيلة الأعمال في العشر الأواخر منه التي لياليها أفضل ليالي العام على الإطلاق. وفيها ليلة القدر التي أنزل الله في فضلها سورة تُتلى وهي سورة القدر, من حُرم خيرها فقد حُرم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاكم رمضان شهرٌ مباركٌ, فرض الله عليكم صيامه, تُفتح فيه أبواب السماء, وتُغلق فيه أبواب الجحيم, وتُغل فيه مردة الشياطين, لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر, من حُرم خيرها فقد حُرم) أخرجه النسائي. وقال تعالى: (إنَّا أنـزلناه في ليلة القدر) وقال تعالى: ( إنَّا أنزلناه في ليلةٍ مباركةٍ إنَّا كنَّا منذرين ) سورة الدخان آية 3 أي: أنَّ القرآن الكريم أُنـزل كاملاً في هذه الليلة, والقرآن الكريم فيه هداية الناس وإرشادهم وإسعادهم في الدنيا والآخرة, وفيه حكم ما بينهم, وفيه إعجازٌ ظاهر, وفيه الشفاء للأمراض والأسقام, والهدى والرحمة.من فضائل الأعمال التي تتأكد في العشر الأواخر قيام لياليها فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها مالا يجتهد في غيرها, فيشد مئزره ويوقظ أهله ويحيي ليلهوليلة القدر ليلةٌ مباركةٌ فيها تقدير مقادير الخلائق, قال تعالى: ( فيها يُفرق كل أمرٍ حكيم أمراً من عندنا إنَّا كنَّا مرسلين) سورة الدخان آية 4-5 . وقال تعالى: (ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر) أي: أنَّ أجر العبادة فيها خيرٌ من أجر العبادة في ألف شهر. قال تعالى: (تنـزَّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلامٌ هي حتى مطلع الفجر) أي: لعظم فضلها فإنَّ الملائكة يتنـزلون فيها, ومعهم جبريل عليهم السلام, وهم لا يتنـزلون إلا بالخير والبركة, وأنها سلامٌ حتى مطلع الفجر. ومن قام هذه الليلة إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه, ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه) أخرجه الشيخان. ومن فضائل الأعمال التي تتأكد في العشر الأواخر قيام لياليها فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها مالا يجتهد في غيرها, فيشد مئزره ويوقظ أهله ويحيي ليله. ومن فضائل الأعمال البر بالوالدين والصدقة وصلة الرحم والجود وأداء مناسك العمرة وكثرة تلاوة القران الكريم فهنيئا لنا بهذا الشهر الفضيل.


http://www.alyaum.com/News/art/25793.html

السبت، 25 مايو 2013

الردة صورها وخطورتها

الردة عن الدين من عظائم الأمور وأسافل الشرور قال ابن قدامة عن الردة: (هي الإتيان بما يخرج عن الإسلام إما نطقاً أو اعتقاداً أو شكاً ينقل عن الإسلام، أما المرتد فهو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر). قال أيضاً: (من ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وكان بالغاً عاقلاً دعي إليه ثلاثة أيام، وضُيِّقَ عليه، فإنْ رجع وإلا قتل). ومن أعظم المواقف في تنفيذ حكم الله على المرتدين موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه منهم، يقول الطبري: عقد أبو بكر أحد عشر لواء، عقد لخالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد (المرتد الكذاب)، فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له. ولعكرمة ابن أبي جهل وأمره بمسيلمة (الكذاب)، وللمهاجر ابن أميَّة وأمره بجنود العنسي (من المرتدين في اليمن) وقد كتب إليهم مع القادة المسلمين كتاباً جاء فيه:(قد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أنْ أقرَّ بالإسلام وعمل به، اغتراراً بالله تعالى، وجهالة بأمره، وإجابة للشيطان...، وإني بعثت إليكم فلاناً في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان وأمرته ألا يقاتل أحداً ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحاً، قبل منه ذلك وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أنْ يقاتله على ذلك، ثم لا يبقي على أحدٍ منهم قدر عليه... ويقتلهم كلَّ قتلة، وأنْ يسبي النساء والذراري ولا يقبل من أحدٍ إلا الإسلام، فمن اتبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله، وقد أمرت رسولي أنْ يقرأ كتابي في كل مجمعٍ لكم، والداعية الأذان، فإذا أذَّن المسلمون كفوا عنهم، وإن لم يؤذِّنوا عاجلوهم، وإنْ أذَّنوا اسألوهم ما عليهم، فإنْ أبوا عاجلوهم وإنْ أقروا قبل منهم) وقد عهد رضي الله عنه إلى الأمراء بأنْ (يمنع كل قائد أصحابه من العجلة والفساد، وأنْ لا يدخل في جنوده حشواً حتى يعرفهم ويعلم ما هم (حتى) لا يكونوا عيوناً، ولئلا يؤتى المسلمون من قبلهم).

لقد كان لحزم أبي بكر رضي الله عنه وصلابته في التعامل مع المرتدين أثره الواضح المجلي لشأفة الردة من جميع أنحاء بلاد العرب، وحفظ بذلك وحدة الأمة ووقاها من الهلكة، يقول ابن مسعود رضي الله عنه:(لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً كدنا نهلك فيه لولا أنْ الله منَّ علينا بأبي بكر...عزم الله لأبي بكر على قتال المرتدين، فو الله ما رضي منهم إلا بالخطة المخزية أو الحرب المجلية، فأما الخطة المخزية هي أنْ يقروا بأنَّ من قتل منهم في النار وأنَّ ما أخذوا من أموالنا مردود علينا، وأما الحرب المجلية فأنْ يخرجوا من ديارهم) وقال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أعمالهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)} وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم تندم فأرسل إلى قومه سلوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنّ فلانا قد ندم وإنّه أمرنا أن نسألك هل له من توبة؟ فنزلت (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ)} فأرسل إليه فأسلم) وقال صلى الله عليه وسلم: (من بدَّل دينه فاقتلوه) رواه البخاري وقال ابن تيمية: (المرتد شرٌّ من الكافر الأصليِّ من وجوهٍ كثيرة). وعن مفهوم الارتداد أجابت اللجنة الدائمة برئاسة سماحة المفتي العام الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ بأن (الردة هي: الرجوع عن دين الإسلام إلى الكفر والردة تحصل بالقول والفعل والشك والترك، فالردة بالقول كسبِّ الله تعالى أو سبِّ رسوله صلى الله عليه وسلم والردة بالفعل كالسجود للصليب أو الصنم أو الذبح للقبور أو امتهان المصحف والردة بالشك كالشك في صحة دين الإسلام أو صدق النبي صلى الله عليه وسلم، والردة بالترك كالإعراض عن دين الإسلام لا يتعلمه ولا يعمل به ونحو ذلك) السؤال الأول من الفتوى رقم (21166) انتهى. ومن أسباب الردة في المجتمع الإسلامي مجالسة أهل الأهواء والشبهات فيقذفون شبههم فلا يستطيع ردها لجهله وعدم رسوخ العقيدة في قلبه،وكذلك التتلمذ على أهل البدع والأهواء وعلى الأعداء من اليهود والنصارى وخصوصاً في المدارس النظاميَّة في الدول التي لا تدين بدين الإسلام أو عبر المدارس الاستعماريِّةفي الدول الإسلاميَّة وذلك طمعاً في الحصول على الشهادات العلميَّة العليا. مما ينبغي الحذر والتحذير من تلك المدارس والجامعات ووجوب حفظ أبناء المسلمين منها لما فيها من أسباب الردة والفساد والفسوق والعصيان، فانصحوا أقاربكم وإخوانكم المسلمين بالتحذير منها قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: (ويجب على الوالي المسلم إقامة حدِّ الردة على أصحابها بعد وجود أسبابها وانتفاء موانعها حمايةً للدين وردعاً للعابثين وطاعةً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وإقامةِ الشرع المطهر). انتهى وكذلك الحذر مما يبث في وسائل الإعلام المتنوعة من دعوة للردة، وقذفٍ بشرر الشبهات وتسلط الزنادقة والملحدين في نشر باطلهم عبرها فيتأثر المتلقي سلباً، ومن أعظم الأضرار المترتبة على الردة أنها توجب لصاحبها الخلود في النار، كما أنها مصدر من مصادر التعاسة والشقاء في الدنيا، ومن أعظم الأضرار العائدة على المجتمع الإسلامي أنَّ الردة تلقي عبئاً ثقيلاً من الحذر والاحتياط إذا تمكَّن المرتد من الفرار إلى الخارج فيفتح عليها ثغراتٍ للإضرار بها بما يقدمه للأعداء من معلوماتٍ يبنون عليها خطتهم في مواجهة المسلمين، كما قد يكون المرتد قدوة للبسطاء حين يظفر بحماية الأعداء وما يغدقون عليه من رفاهية العيش، وأرى أهمية وضع آليةٍ مناسبةٍ جادةٍ لمتابعة ومحاسبة ما يُكتب في المطبوعات ووسائل التواصل الاجتماعي بالانترنت وما ينشر في القنوات الفضائية فيما يتعلق بالردة، حماية للدين وإقامة لشريعة الله.


http://www.al-jazirah.com/2012/20121026/rj4.htm

الخميس، 23 مايو 2013

لطفاً يا ابنتي.. فهذه وصيتي

ابنتي يا ثمرةَ فؤادي وقرَّة عيني, يا زهرةً نقيَّةً طاهرةً, اعلمي أنّي أكتبُ لك منْ قلبٍ ملؤه حنانٌ وعطف, ابنتي: احرصي على طاعة الله في كل أحوالك واعلمي أنَّه سبحانه مراقبٌ حركاتك وسكناتك في ظاهر أمرك وإسرارك, فالزمي التوجيه النبويَّ تُفلحي وترشُدي, واعلمي أنَّ العلم الشرعي خيرُ زادِ أهل التقوى, فاطلبي العلم النافع, علمُ الكتاب والسنة مقتديةً في ذلك بالعالمات الصالحات من المؤمنات كأمِّ المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- فقد كانتْ عالمةً أفادتْ بعلمها طلاَّب العلم وسائليه, وكذلك بقيَّة أمهات المؤمنين كحفصةَ بنت عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- وأمِّ المؤمنين أمّ سلمة -رضي الله عنها- وغيرهنَّ ممنْ عاصرهنَّ أو منْ جاء بعدهنَّ, فسيرهنَّ عطِرةٌ خلَّدها التاريخ فاقرئيها ففيها نفعٌ لمنْ كان ذا لب.

ابنتي لا تؤخري الصلاة عن وقتها وأقيميها كما أمرك الله... ابنتي احرصي على دراستك وجِدي واجتهدي ولا تشغلنَّكِ عنْ معاونتك لوالدتك, ابنتي اعلمي أنَّ البيت هو مملكتك وفيه قرارك ووظيفتك الأولى في الحياة, فلا تهملي أعمال تلك المملكة, فخدمتُك فيه شرفٌ لك, ابنتي إن الوقت ثمين فلا تضيعيه في التنقل من سوقٍ إلى سوق؛ لشراء ما تحتاجين, بلْ ليكن شراء ما تحتاجين إليه من سوقٍ واحد, ابنتي أعلمُ أنَّ المظاهر لها اعتبارها لديكنَّ أيَّتها البنات إلا أني أريد أنْ يكونَ اهتمامُك الأغلبُ لأخلاقك وسموِّ أعمالك, فالمظهرُ الخارجيُّ لا يفضلُ أهميةً عن السموِّ الروحي والنبل الأخلاقي, ابنتي إذا عرضتْ لك مشكلة فلا تترددي في عرضها على والدك فهو أقدرُ على حلِّها بحكمةٍ ورويَّة, ولا يكنْ خوفك أو خجلك قائداً لعدم إخباره، فإنَّ في إخبارك له حماية لك وفرجاً قريباً بإذن الله تعالى, ابنتي إنَّ الأعوام تتوالى والوقت يمضي وغداً تكبُري فتبلُغي سِنَّ الزواج وتدخلي في بناء أسرةٍ أنتِ أساسٌ من أُسسِها وعَمَدٌ من أعمدتها فاحرصي على الاقتران بالرجل الصالح صاحب الأخلاق الفاضلة، واسمعي لوالديك في ذلك فإنهما ينصحانِ ويريانِ ما لا ترين؛ لما لهما من سابقِ معرفةٍ ودرايةٍ وتجربة, وإذا تمَّ الزواج فنصيحتي لك ألا يرى زوجك منك إلا خيراً, وكوني له أمةً يكنْ لك عبداً, ابنتي إذا دخلتِ بيت الزوجيَّة فاحرصي على إرضاء ربِّك وأطيعي زوجك؛ فطاعتُه عبادةٌ وفي القيام بحقوقه أداءٌ لما أوجبَه الله عليك, فاحفظي بيته وماله ولا تراجعيه في أمرٍ أمضاه ما لم يكن إثماً, واعلمي أنَّه لا طاعة له في معصية الله ولو غضب عليك فرضى الله مقدَّمٌ على رضاه، واحذري إغضابه فيما لا معصية فيه, فإنَّ الملائكة تلعنُ المرأة إذا باتت وزوجها عليها غضبان حتى تصبح, واعلمي أنَّ البيوت لا تخلو من المشاكل بين الزوجين منْ خلافٍ في رأي أو وجهةِ نظرٍ فكوني حكيمةً صابرةً حليمةً متأنية, ابنتي احرصي على بيتك واحذري إهمال زوجك ومسكنك, وليكنْ ملبسك وتجمّلك عنده مرضيَّاً, وعند غيره من محارمك ساتراً ضافياً, ابنتي إذا منَّ الله عليك بأبناءٍ وبناتٍ فأحسني تربيتهم وتأديبهم, ربِّيهم على مكارم الأخلاق وطيِّب الكلام, فأنتِ مدرسةٌ لأبنائك وصلاحُهم صلاحٌ لك في بادئ أمرك ومنتهاه, وإذا رأيت منهم ما يضايقك فادع الله لهم بالهداية والتوفيق والصلاح فإنَّ الله يجيبُ دعوة من دعاه لاسيَّمادعوة الوالدين, فصلاح الولد لا ينقطع معه عملك بعد موتك وذلك بدعائه لك وتصدقه عنك, ابنتي لا تظني أنَّ سعادة الدنيا كاملةٌ, بلْ سعادتها ناقصةٌ لما يشوبها من الكدرُ والتنغيصُ لا كسعادة الآخرة الكاملة التي يختصُّ الله بها برحمته عباده المؤمنين ...

ابنتي الزمي الحجاب الشرعي, فغطاء الوجه والكفين والرجلين وسائر الجسم واجبٌ, ولا تفعلي فعل اللاتي تهاونَّ بالحجاب فكشفن وجوههن ونحورهن... ابنتي أعلمُ أنَّك حريصة على طاعة الله فاجتهدي في حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة ليكونا لك نبراساً ومنهاجاً ودليلاً وهادياً, فكلاهما وحيٌ من عند الله تعالى، ومنهما ينبعُ مصدر السعادتين في الدنيا والآخرة, وإذا فضُل لديك مالٌ فتصدقي, واعلمي أنَّ اللجوء إلى الله في الرخاء سبيلٌ لتفريج الكربات حال الشدائد, فكوني ملتجئة إليه على الدوام, وأوصيك بتقوى الله, حفظكِ الله ورعاكِ وأسعدكِ في دنياكِ وأخراك, والله يتولاني ويتولاكِ بحفظه ورعايته, والسلام عليكِ ورحمة الله وبركاته.


http://www.al-jazirah.com/2012/20121019/rj11.htm 

البخل خلق مذوم يردي بصاحبه

البخلُ خلافُ الكرم، والبخيلُ هو صاحب البخل وجمعه بخَّلٌ وبخَّالٌ، والمبخلة هو: السبب الذي يحمل على البخل لحديث (إنَّ الولد مبخلةٌ مجبنةٌ محزنةٌ) صححه الألباني في صحيح الجامع (1986) أي أنَّه مظنة لأنْ يحمل أبويه على الجبن والجهل والبخل ويدعوهما إلى ذلك. قال الجرجاني: البخل هو: المنع من مال نفسه. والشح هو: بخل الرجل من مال غيره. وقيل: البخل ترك الإيثار عند الحاجة. التعريفات ص (42/43). وقال القرطبي: البخل المذموم في الشرع: هو امتناع المرء أداء ما أوجب الله تعالى عليه. تفسير القرطبي (5/126). وقال الجاحظ: (البخل خلقٌ مكروهٌ من جميع الناس، إلا أنَّه من النساء أقلُّ كراهية، بل قد يستحبُّ من النساء البخل (والمقصود البخل بمال أزواجهن إلا أنْ يؤذنَّ بالجود) وأما سائر الناس فإنَّ البخل يشينهم، وخاصة الملوك والعظماء،فإنَّ البخل أبغضُ منهم أكثرُ مما هو أبغضُ من الرعيَّة والعوام، ويقدح في ملكهم، لأنَّه يقطع الأطماع منهم ويبغِّضهم إلى رعيتهم)تهذيب الأخلاق ص 33 والبخل نوعان: الأول: بخلٌ بمقتنيات نفسه. الثاني: بخلٌ بمقتنيات غيره، وهو أكثرهم ذمَّاً، قال تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } (37) سورة النساء37، الحديد24 قال الماوردي: (قد يحدث عن البخل من الأخلاق المذمومة أربعة أخلاقٍ ناهيك بها ذمَّاً وهي: الحرص والشَّرَه وسوء الظن ومنع الحقوق.... وإذا آل البخيل إلى ما وصفنا من هذه الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول) أدب الدنيا والدين (228). قال ابن قدامة المقدسي: (اعلم أنَّ السخاء والبخل درجات، فأرفع درجات السخاء الإيثار: وهو أنْ تجود بالمال مع الحاجة إليه. وأشدُّ درجات البخل: أنْ يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة إليه، فكم من بخيلٍ يمسك المال ويحرص فلا يتداوى، ويشتهي الشهوة فيمنعها منه البخل، فكم بين من بخل على نفسه مع الحاجة وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة فالأخلاق عطايا يضعها الله حيث يشاء) مختصر منهاج القاصدين (205-206) مختصرا. ومن الآيات الدالة على ذم البخل قوله تعالى:(ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير) آل عمران 180،وقال تعالى{هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (38) سورة محمد 38.ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً للبخيل والمنفق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثلُ البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديدٍ من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت، أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره. وأما البخيل فلا يريد أنْ ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها فلا تتسع) أخرجه البخاري الفتح (3-1443) واللفظ له ومسلم (1021) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شر ما في رجل: شحٌّ هالع، وجبنٌ خالع) صححه الألباني في السلسة الصحيحة وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع غبارٌ في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبدٍ أبداً، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبدٍ أبداً) أخرجه النسائي (6/13) واللفظ له، وأحمد (2/256) قال أحمد شاكر: إسناده صحيح .وقال علي رضي الله عنه: (البخل جلباب المسكنة، وربما دخل السخي بسخائه الجنة) الآداب الشرعية (3/312)، وقالت أمُّ البنين أخت عمر بن عبدالعزيز: (أفٍّ للبخيل، لو كان البخل قميصاً ما لبسته، ولو كان طريقاً ما سلكته) وقال أبو حنيفة:(لا أرى أنْ أعدِّل بخيلاً، لأنَّ البخل يحمله على الاستقصاء فيأخذ فوق حقه خيفة أنْ يغبن، فمن كان هكذا لا يكون مأمون الأمانة) وقال بشر الحافي:(لا تُزوّج البخيل ولا تعامله، ما أقبح القارئ أنْ يكون بخيلاً) وقال أيضاً: (النظر إلى البخيل يُقسِّي القلب، ولقاء البخلاء كربٌ على قلوب المؤمنين) وقال ابن المعتز:(بشِّر مال البخيل بحادثٍ أو وارثٍ) الإحياء (3/255-256) وقال الأصمعي:(سمعت أعربياً وقد وصف رجلاً فقال: لقد صغر فلان في عيني لعظم الدنيا في عينه، وكأنما يرى السائل ملك الموت إذا أتاه) الآداب الشرعية (3/313). وقال أبو إسحاق الموصلي:
وآمرةٍ بالبخل قلتُ لها اقصـري

فليس إلى ما تأمـرين سبيلُ

أرى الناس خِلاَّن الجواد ولا أرى

بخيلاً لـه في العالمين خليـلُ

وإني رأيت البخل يُزري بأهلـه

فأكرمتُ نفسي أنْ يقال بخيلُ

ومن خير حالات الفتى لو علمته

إذا نال شيئاً أنْ يكـون يُنيلُ

عطائي عطاء المكثرين تكرُّماً

ومالي كما قد تعلمين قليـلُ

وكيف أخافُ الفقر أو أُحرم الغنى

ورأي أمير المؤمنين جليـلُ
ومن مضار البخل أنَّ صاحبه محرومٌ في الدنيا مؤاخذٌ في الآخرة، وأنَّه أصلٌ لنقائص كثيرةٍ ويدعو لخصالٍ ذميمةٍ، وأنَّه دليلٌ على قلة العقل وسوء التدبير، وأنَّه دليلٌ على سوء الظن بالله، وأنَّه لا يجتمع مع الإيمان، وأنَّ صاحبه لا يكون سيَّداً، وها قد علمتَ ما في البخل من مضارٍ متعددةٍ فاحرص أنْ لا تكون فيك هذه الخصلة الذميمة. اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أنْ أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر.

http://www.al-jazirah.com.sa/2012/20120308/rj6.htm

مجالسة كبار السن الأهمية وكيفية التعامل

يزهد كثير من الشباب في مجالسة كبار السن وسماع حديثهم، ويؤثرون الانشغال بوسائل التقنية الحديثة في حضرتهم، وهذا من الخلل الذي يحسن التنبيه إليه، لذا رأيت أن أكتب ما أرجو نفعه للشباب، إذ لمجالسة كبار السن من الفوائد الشيء الكثير منها: أولاً: الإفادة من المعرفة التي حصلوها في حال صِغرهم وكِبرهم، وخصوصاً أنها لم تكن علماً مكتوباً يُدرّس، إنما تؤخذ المعارف التي حازوها بالمشافهة غالباً، ثانياً: التعرف عن قرب للحياة التي عاشها أولئك الآباء بحلوها ومُرّها، ثالثاً: الإفادة من الحكم والأمثال وشواردها التي لا يعرفها الكثيرون سواء من عامة الناس أو من حملة الشهادات. رابعاً: الإفادة من القصص التي يوردونها والتي فيها من تربية النفوس وتهذيبها الشيء الكثير. خامساً: معرفة الصلات الاجتماعية ووصل الأرحام والبر بالآباء في زمنهم، مما يتبين لك قوة الترابط الذي بينهم. سادساً: استلهام الدروس التربوية التي كانوا يتمتعون بها للإفادة منها عصرياً. سابعاً: إلقاء الضوء على شيم الرجال ونبل الأخلاق التي تمتعوا بها. ثامناً: وفي مجالسة كبار السن تذكير بالله حيث لن تخلو مجالسهم من موعظة أو نصيحة ينتفع بها، ومن الأهمية بمكان في التعامل مع كبار السن مراعاة ما يلي: أولاً: توقيرهم واحترامهم. ثانياً: عدم السخرية بهم. ثالثاً: عدم تجهيلهم ولو أنك ترى فيما قيل خطأ، بل ينبغي معالجة الخطأ بأن تقول الصواب بحكمة ورزانة، ولن تُعدم قربهم وقبولهم. رابعاً: أن تشكرهم على ما أفادوك به وتدعو لهم. خامساً: أن تعاملهم كالآباء ليعاملوك كالأبناء. سادساً: أن تتعاهدهم بالزيارة والسؤال عن حالهم وعيادتهم إذا مرضوا. سابعاً: أن تتلطف في العبارة معهم.. ثامناً: أن تكون مستمعاً إليهم أكثر من أن تكون متحدثاً. تاسعاً: الصبر على بعض الألفاظ الجافية إن صدرت من أحدهم، وليكن صدرك رحباً. وختاماً فاحرص أيها الشاب على مجالس كبار السن وأنا لك ضامنٌ بالإفادة منهم، وسوف تتمنى لو تقدمت في مجالستهم، واعلم وفقك الله ورعاك أنَّ العلوم التي حصَّلوها والخبرة التي اكتسبوها في صناديق مغلقة ولا يُنفذُ إليها إلا بمفتاح وقليلٌ من يملك ذلك المفتاح.


http://www.al-jazirah.com.sa/2012/20120110/rj5.htm
 

التعقيب على الشيخ بدر الضيط حول العصبيات القبلية



الأخ يوسف العتيق المشرف على صفحة وراق الجزيرة -وفقه الله.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:-


فقد اطلعتُ على ما نُشر في جريدة الجزيرة في صفحة الوراق في العدد رقم (13240) من أمر مهم يمس مجتمع بلدنا المتآلف، حيثُ جاء التركيز على مسألة التعصب والعنصرية، واستمتعتُ بقراءة الحوار مع الشيخ بدر الضيط, وكذلك المقالين الآخرين لكم، والموضوع الذي تطرقتم إليه جاء في وقته، إذ بدت العصبيات تكشّر عن أنيابها في توسّع وانتشار بدا كالظاهرة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، مما أثّر جليَّاً في نفوس الناس وخصوصاً الشباب منهم، فبدت مظاهر احتقار الناس بعضهم البعض عن طريق الطعن في القبائل والعشائر والأسر سواء على الشبكة العنكبوتية أو بعض القنوات الفضائية، فثارت نعرة من نعرات الجاهلية التي دورها التفريق والتحزب لا الاجتماع والألفة. ولا ريب أن التفرق يزيد الأمة ضعفاً إلى ضعفها، والإسلام أمر المسلمين بالاجتماع والتآلف والمحبة كي يصبح المجتمع قويَّاً مهاباً. فكان لزاماً على العقلاء التحذير من العصبية القبلية التي من ضمنها الطعن في الأنساب. وليعلم الطاعن فيها أنَّه وافق أهل الجاهلية في هذه الخصلة المذمومة، فالإسلام لم يفرق بين أبيض وأسود ولا قبلي وغير قبلي بل جعلهم كلهم سواء، يعبدون ربَّاً واحداً، ويتبعون نبيَّاً واحداً وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ويدينون بدين واحد وهو الإسلام، وأبوهم واحد وهو آدم عليه السلام، فلا يجوز لأحد كائناً من كان أنْ يفتخر بحسبه وأجداده وما حصَّلوه من مجد وقوة وسؤدد، قال الشاعر:
إنَّ الفتى من يقول ها أنا ذا
ليس الفتى من يقول كان أبي


كما لا يجوز للمرء أنْ يطعن في أنساب الناس وآبائهم وأجدادهم لما رواه أبو مالك الأشعري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - (أربعٌ في أُمتّي من أمر الجاهليَّة لا يتركونهن.. الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت)، أخرجه مسلم. ولا شك أنَّ المفاخِرَ بحسبه والطاعن في الأنساب فيه خصلتان من خصال الجاهلية لا تزال فيه حتى يدعها، وتدل على جهل وحمق الواقع فيها. قال العلاَّمة محمد ابن عثيمين - رحمه الله - الفخر هو التعالي والتعاظم على الناس بالآباء ومآثرهم، أي يفخر بسبب الحسب، والحسب هو ما يحتسبه الإنسان من شرف وسؤدد، كأنْ يكون من بني هاشم فيفتخر بذلك أو من آباء وأجداد مشهورين بالشجاعة فيفخرُ بذلك، وهذا من أمر الجاهلية لأن الفخر في الحقيقة يكون بتقوى الله تعالى الذي يمنع الإنسان من التعالي والتعاظم، والمتقي هو الذي كلما ازدادت نعم الله عليه ازداد تواضعاً للحق وللخلق. وقال عند قوله (والطعن في الأنساب) أنَّ الطعن هو العيب لأنَّه وخزٌ معنويٌ كوخز الطاعون في الجسد، ولهذا سمي العيب طعناً، كأن تقول له يا ابن الدباغ. (انتهى).


ونحن في هذه البلاد المباركة لدينا من الألفة والترابط والتلاحم ما يحسدنا عليه غيرنا، فقد جمع الله شملنا بعد تفرق وشتات، بعد توحيد البلاد على يد المؤسس الإمام المصلح الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- كما إنَّ إثارة الأمور التي تفرِّق من عصبية ونحوها من الأشياء المنكرة يجب معالجتها وفق ضوابط الشرع المطهر. وفي نظري أنَّ متابعة كل ما من شأنه إثارة وإذكاء العصبية القبيلة أمرٌ مطلوبٌ متحتمٌ كي لا تكثر ولا تستشري في الناس فيصبحوا فرقاً وأحزاباً، وأيضاً محافظة على لحمة الوطن الواحد - زاده الله قوة وتماسكاً لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.


وإليكم أوجه نصحي يا من وقعتم في العصبية أنْ تعودوا كما هو توجيه الإسلام، ففي الحديث الذي رواه البخاري عن سليمان بن حرب وساق إسناده إلى المعرور قال: لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة فسألته عن ذلك فقال إنّي ساببتُ رجلاً، فعيّرتُه بأمّه فقال ليَ النبي صلى الله عليه وسلم (يا أبا ذر أعيَّرتَهُ بأمّه، إنّك امرؤٌ فيك جاهليّة..) الحديث. فعلى المرء أن لا يعيِّر أحداً بأمّه أو أبيه فلا يقول يا بن السوداء وما ماثلها. وإذا كان الإسلام يحثُّنا على احترام بعضنا البعض وينهانا عن التعصب القبلي وغيره من التعصبات التي تفرق الأمة الإسلامية وتهدد كيانها، فعلينا جميعاً أنْ نتوجّه لتوجيهاته ونمتثل لأمره.


والملاحظ في الآونة الأخيرة ظهور بعض القنوات الفضائية وبعض المنتديات على الشبكة العنكبوتية التي قد يكون لها أثر مباشر أو غير مباشر في إشعال نار العصبية القبلية، كما أنَّ تعاهد النصح للقائمين عليها أمرٌ مطلوب حفاظًا على مجتمعنا من التفرق والتحزب.. والله الموفق. 
 

رداً على د. العوين التطوير في (جامعة الإمام) يحتاج إلى استحداث أقسام شرعية جديدة وفروع أخرى في أحياء الرياض

قرأتُ ما كتبه الأخ د. محمد بن عبدالله العوين في زاويته (كلمات) بعنوان (خطوات التطوير المنتظرة في جامعة الإمام ما زال لها بقية!) في يوم الأربعاء 14-6-1434هـ العدد رقم (14818) والذي ابتدأ مقاله عن صدور الموافقة على فصل كليَّة الإعلام عن كليَّة الدعوة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة وما ذكره من مقترحات, ولي مقدمةٌ ووقفاتٌ أوجزها فيما يلي:

المقدمة: أنَّ الهدف من إنشاء جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة هو في تدريس العلوم الإسلاميَّة على مختلف التخصصات الشرعيَّة, وأنَّ ما أضيف إليها من غير التخصصات الشرعيَّة, تدخل مقررات المواد الشرعيَّة فيها ضمناً, مما يميِّز خريجي الجامعة عن غيرها.

الوقفة الأولى: إنَّ تطوير الجامعة همُّ كل محبٍّ لهذه الجامعة العريقة التي آتت ثمارها حلوة طيبة, والتطوير إنما يكون في استحداث أقسامٍ وكليَّاتٍ شرعيَّةٍ جديدةٍ؛ للنهوض بالعلوم الإسلاميَّة بما يوافق متطلبات العصر.

الوقفة الثانية: بما أنَّه تمَّ فصل الإعلام في كليَّةٍ مستقلةٍ عن كليَّة الدعوة, فإني أقترح أنْ يحدث قسمٌ جديدٌ في كليَّة الإعلام, يختصُّ بالإعلام الدعوي؛ للنهوض بالإعلام فيما يخدم الدعوة الإسلاميَّة, خصوصاً مع تعدد الوسائل الإعلاميَّة وتنوعها, وأهميَّة استثمارها في الدعوة إلى الله, كالقنوات الفضائيَّة, والمواقع على الشبكة العنكبوتيَّة, والإذاعات والصحف والمجلات, وفي ذلك فتحٌ لسبل خدمة الدين وأهله, وتأصيل ذلك في نفوس الناشئة من الطلاب.

الوقفة الثالثة: عجبت من طلب الدكتور في مقاله ضم كليَّة أصول الدين إلى كليَّة الشريعة, وكيف أنَّه لم يميز التفريق بينهما في المناهج والتخصصات؟! أليس يعلم أنَّ كليَّة أصول الدين تركز على مواد العقيدة الإسلاميَّة التي هي الفقه الأكبر, وتركز أيضاً على دراسة الفرق والملل والنحل, والتفسير وعلوم القرآن, بينما كليَّة الشريعة تركز على فقه العبادات, وفقه المعاملات, وأصول الفقه.

الوقفة الرابعة: عجبتُ أيضاً من طلب الدكتور في هذا المقال, من التخفيف من المواد غير التخصص في قسم الأدب في كليَّة اللغة العربيَّة, مثل مادة التفسير والحديث والثقافة الإسلاميَّة وحفظ القرآن الكريم. وأقول: إنَّ المواد الشرعيَّة في جميع أقسام الكليَّات في جامعة الإمام موادٌ أساسيةٌ مهمَّة في مخرَّجات الجامعة, ينبغي الاهتمام بها أكثر, لا أنْ يُتخفف منها, ولو افترضنا جدلاً خلو قسمٍ من الأقسام من المواد الشرعيَّة؛ لكان الطلب إلى إدخالها هو الصواب والمتعين, توافقاً مع رسالة الجامعة السامية للمجتمع.

الوقفة الخامسة: إنَّ في تساؤل الدكتور في مقاله, وتعجبُّه من استحداث قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي في عام 1395هـ تساؤلٌ يُستغرب, وأعجب من ذلك الحجَّة التي ذكرها بقوله: (كيف يمكن أنْ يدرس منهجُ أدبٍ إسلاميٍّ في بلادٍ لا تدين إلا بالإسلام ..) هل يريد الدكتور -وفقه الله- أنْ يلغى هذا القسم؟! بحجَّة أننا في بلد إسلامي, فهذه حجةٌ عليه لا له؛ لأنه يتعين على المسلمين الاهتمام بدراسة كل ما له علاقة بالإسلام, سواء علاقة مباشرة أو علاقة غير مباشرة, مع العلم أنَّ التخصصات الإسلاميَّة هي من صميم رسالة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة, والتي ما أنشئت إلا خدمةً للعلوم الشرعيَّة, وارتقاءً بالمستوى العلميِّ الشرعيِّ في المجتمع السعودي.

الوقفة السادسة: ألتمس من أصحاب القرار في وزارة التعليم العالي ومن معالي مدير جامعة الإمام الدكتور سليمان أبا الخيل أنْ تُنشأ في الجامعة كليَّة لعلوم القرآن الكريم, وكليَّة للفرق والمذاهب المعاصرة, وكليَّة للحديث وعلومه, وأنْ تُنشأ كليَّة أخرى للشريعة يكون مقرها في غرب الرياض؛ ليسهل وصول الطلاب إليها, خصوصاً أنَّ كثيراً من طلاب كليَّة الشريعة, هم من سكَّان غرب وجنوب الرياض, وكم أتمنى أنْ يفتتح فرعٌ للجامعة في غرب الرياض؛ لحاجة أبناء تلك الأحياء لكليَّات قريبةٍ منهم, وفي ذلك أيضاً تخفيف الحمل والعبء على الجامعة الأم في شمال الرياض.

الوقفة السابعة: أرغب من معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة الذي لا يألو جهداً في النهوض بالجامعة أنْ يفتتح معاهد علميَّةٍ جديدةٍ في مدينة الرياض وغيرها من المدن الكبرى, وذلك لكثرة الإقبال عليها من قبل أبنائنا الطلاب, وأرغب منه أيضاً افتتاح معاهد علميَّةٍ للبنات أُسوةً بالذكور, وذلك لأنَّ المعاهد العلميَّة منارات علميَّة بارزة؛ لما فيها من مناهج شرعيِّةٍ مكثفةٍ تفيد النشء في دينهم ودنياهم.

http://www.al-jazirah.com/2013/20130503/rv4.htm

رداً على ما نشر في الجزيرة (العباءة) ليست (فريضة) شرعتها مديرات المدارس بل هي ما فرضته الشريعة

سعادة رئيس التحرير سلمه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فقد اطلعت على ما نشر في صحيفة الجزيرة يوم السبت 21-10-1433هـ بعنوان (عباءة الرأس... فريضة شرعتها أهواء مديرات المدارس!) ومن باب المشاركة حول هذا الموضوع أقول وبالله التوفيق: إنَّ من فضائل الله على المملكة العربية السعودية أنْ مَنَّ على أهلها بالمحافظة على الدين والواجب الاستمرار على هذه المحافظة وحث الناس عليها, وتذكير الناس بالله وبفضيلة الحجاب والستر والاحتشام وتعزيز خلق الحياء وغرزه بين فتياتنا في جميع الأماكن بما فيها المدارس النظاميَّة التي وضعتها الدولة حرسها الله لتعليم البنات وتربيتهن التربية الصالحة وبالآداب الإسلاميَّة التي تسمو بمن تأدب بها وحث عليها, ولي وقفات: الوقفة الأولى: نصيحةٌ عامَّة وهي أنَّ كل كاتب مسؤول أمام الله, فمن كتب خيراً وحثَّ عليه ونشره في الناس ولازم التقوى فيما يقول ويكتب فهو على خيرٍ, وهو من التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا الله به, قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} كما ورد النهي عن التعاون على الإثم والعدوان قال سبحانه: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ويجب الحذر من الوقوع فيما يغضب الله سبحانه وتعالى, ورُبَّ كلمةٍ هوت بصاحبها في النار, قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق) متفق عليه.

الوقفة الثانية: أنَّ فيما كُتب في المقال المذكور أنَّ عباءة الرأس..

فريضة شرعتها أهواء مديرات المدارس فهذا ليس بصحيح, فمديرات المدارس اللاتي يُلزمن الطالبات بعباءة الرأس على صوابٍ يثيبهن الله عليه وهو من الواجب ومن أداء الأمانة الملقاة على عواتقهن.

الوقفة الثالثة: أنَّ في وضع النساء العباءة على الكتف تشبُّهٌ بالرجال إذ الرجال يلبسون العباءة (البشت) على أكتافهم, وقد جاء التحذير من تشبه النساء بالرجال في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء قال فقلت: ما المترجلات من النساء؟ قال: المتشبهات من النساء بالرجال) وعن ابن عباس رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه لعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء) الوقفة الرابعة: أنَّ ما نشر في المقال المذكور من تضايق البعض من إلزام المدرسة للطالبات بلبس العباءة على الرأس ليس في محله, بل إنَّ ذلك مدعاةٌ لشكر تلك المدرسة وعلى رأسهم المديرة إذ إنهم يعملون بفتوى اللجنة الدائمة في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء وهي الجهة الرسميَّة التي خوَّلها وليُّ الأمر إفتاء الناس كما أنهم جمعٌ من خيرة العلماء أحسبهم والله حسيبهم, كما أني أنصح جميع أولياء الأمور بتقوى الله تعالى في أمرهم ونهيهم لأبنائهم وبناتهم بما يوافق الشريعة الإسلاميَّة ونحمد الله فالناس فيهم خير كثير, فبالنصيحة بالرفق وبالأناة وبالتعاون على البر والتقوى يعيش المجتمع في خيرٍ وسعادةٍ وأمنٍ وأمان.

وإليكم فتوى اللجنة الدائمة برئاسة سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز ابن باز ونص السؤال والجواب: ما حكم وضع المرأة العباءة على الكتف؟ الجواب: (لا يجوز للمرأة وضع العباءة على الكتفين عند الخروج؛ لما في ذلك من التشبه بالرجال، وقد لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المرأة تلبس لبسة الرجل، والرجل يلبس لبسة المرأة).

والله الهادي إلى سواء السبيل.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم) فتاوى اللجنة الدائمة (17-107) كما أفتى سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- ( بأنه لا يجوز للمرأة وضع العباءة على الكتفين؛ لما في ذلك من التشبه بالرجال، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنَّه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) مجموع فتاوى ابن باز (10-408).

الوقفة الخامسة: أنَّ تربية الأبناء على الأخلاق الفاضلة وعلى طاعة الله وتربية البنات على الحشمة والستر ولبس الحجاب كما أمر الله سبحانه وكما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام له أثره المحمود على الأسرة والمجتمع وفي ذلك أداءٌ للأمانة التي حمَّلها الله أولياء الأمور من الوالدين وغيرهم.

الوقفة السادسة: ضوابط لعباءة المرأة ولبسها: الأول: أنْ تستوعب جميع بدن المرأة.

الثاني: أنْ لا تكون زينة في ذاتها, وأنْ تخلو من الكتابات والعلامات والرسوم والزخارف.

الثالث: أنْ تكون سميكة لا تظهر ما تحتها ولا يكون لها خاصية الالتصاق.

الرابع: أنْ تكون واسعة لا تبدي تقاطيع الجسم.

الخامس: أنْ لا تكون مبخرةً مطيبة.

السادس: أنْ لا تكون مشابهة للباس الرجل.

السابع: أنْ لا تشابه لباس الكافرات.

الثامن: أنْ لا تكون لباس شهرة.

التاسع: أنْ توضع على هامة الرأس.

الوقفة السابعة: من فوائد الالتزام بالحجاب الشرعي ما يلي: الأول: أنَّه يمنع من إيذاء المؤمنات بقصد أو بغير قصد.

الثاني: أنَّ في ارتدائه سكينة ووقار.

الثالث: أنَّه سمة الحرائر أما التبرج والسفور فهو سمة للإماء.

الرابع: أنَّ في التزام الحجاب عمل بسير الصحابيات رضي الله عنهن.

الخامس: أنَّ في التزام الحجاب مظهر من مظاهر تميز الأمة الإسلاميَّة.

السادس: أنَّ ارتداء الحجاب دليلٌ على العفة ومظهر من مظاهر التقوى وتعظيمِ حرمات الله.

السابع: أنَّ الحجاب وسيلة من وسائل الحيطة التي شرعها الله لحفظ أعراض المسلمين.

الثامن: أنَّ في ارتدائه دلالة على الحياء.

وفق الله الجميع للخير والهدى والرشاد.


http://www.al-jazirah.com/2012/20121009/rv1.htm

هل تجالس أهل الأهواء؟ إذاً فاقرأ

النفس تهوى على حسب حالها, فإنْ كانت نفساً صالحةً فهي تهوى فعل الطاعات والتقرب إلى الله بأنواع القربات ومجالسة أهل التقوى والصلاح, فيكون هواها تبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم, وهذه النفس نفسٌ طيِّبةٌ زكيَّةٌ, وإنْ كانت النفس تهوى اقتراف المعاصي والسيئات ومخالفة أوامر ربِّ البريات فهي نفسٌ سيئةٌ خبيثةٌ شقيَّةٌ في الدنيا والآخرة إنْ لم تتب إلى الله, والهوى مصدر قولهم: هوى يهوي, وتدل المادة التي اشتق منها على الخلو والسقوط... ومن ذلك الهواء بين السماء والأرض سمي بذلك لخلوه, وكلُّ خالٍ هواء, قال تعالى: ( وأفئدتهم هواء) أي خاليةٌ لا تعي شيئاً, ويقال: هوى الشيء يهوي أي سقط, والهاوية جهنم؛ لأن الكافر يسقط فيها, يقول ابن فارس: وهوى النفس مأخوذٌ من المعنيين جميعاً (أيْ الخلوِّ والسقوط) لأنَّه خال من كل شيء ويهوي بصاحبه فيما لا ينبغي وقال ابن منظور: (وهوى النفس إرادتُها, وقيل محبَّة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه, قال تعالى: ( ونهى النفس عن الهوى ) معناه: نهاها عن شهواتها وما تدعو إليه من معاصي الله, وقيل الهوى هوى الضمير, ومتى تُكلِّم بالهوى مطلقاً لم يكن إلا مذموماً حتى يُنعت بما يُخرج معناه عن الذم كقولهم: هوىً حسن, وهوىً موافق للصواب). وقال الكفوي: (الهوى: ميل النفس إلى ما تستلذه من الشهوات من غير داعية الشرع) وقال الراغب: (الهوى ميل النفس إلى الشهوة) وقال ابن الجوزي: ( الهوى ميل الطبع إلى ما يلائمه) وقال الجرجاني: (أهل الأهواء هم أهل القبلة الذي لا يكون معتقدهم معتقد أهل السنة, وهم الجبريَّة والقدريَّة والروافض والمعطِّلة والمشبهة وكلٌّ منهم اثنتا عشرة فرقة) ويقول الإمام الماوردي: ( فرقٌ ما بين الهوى والشهوة أنَّ الهوى مختصٌّ بالآراء والاعتقادات, والشهوة مختصَّةٌ بنيل المستلذات فصارت الشهوة من نتائج الهوى والهوى أصلٌ وهو أعم) وقال ابن تيميَّة: (صاحب الهوى يُعميه الهوى ويصمُّه, فلا يستحضر ما لله ورسوله ولا يغضب لغضب الله ورسوله, بل يرضى إذا حصَّل ما يرضاه بهواه ويغضب إذا حصَّل ما يغضب له بهواه, فليس قصده أنْ يكون الدين كله لله وأنْ تكون كلمة الله هي العليا, بل قصده الحميَّة لنفسه وطائفته أو الرياء؛ ليُعظَّم هو ويثنى عليه أو لغرضٍ من الدنيا, فلم يكن لله غضبه ولم يكن مجاهداً في سبيل الله, بل إنَّ أصحاب الهوى يغضبون على من خالفهم وإنْ كان مجتهداً معذوراً لا يغضب الله عليه, ويرضون عمَّن يوافقهم وإنْ كان جاهلاً سيء القصد, ليس له علمٌ ولا حسن قصدٍ, فيفضي هذا إلى أنْ يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله ويذموا من لم يذمه الله ورسوله, وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله).

إنَّ معالجة الهوى تكون بالعزم القوي في هجران ما يؤذي من المشتهيات, وهذا يحتاج إلى مجاهدةٍ وصبرٍ, وكذلك فإنَّ للتفكر دوراً مهماً في مجاهدة النفس؛ لتدفع الأذى الحاصل من اتباع الهوى, فالإنسان لم يخلق للهوى, ولاتباع الهوى عواقب تفوِّت الفضائل وتوقع في الرذائل, وتهدم الجاه الحاصل في الدنيا إضافة إلى الإثم المترتب عليه, قال جل وعلا: (أفكلَّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا ًكذبتم وفريقا تقتلون) وقال تعالى: (فإنْ لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضلُّ ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله إنَّ الله لا يهدي القوم الظالمين) وقال تعالى: ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) وقال تعالى: (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) والآيات المحذرة من اتباع الهوى كثيرةٌ, فعلى المؤمن الحذر, وعليه أنْ يعمل ما يرضي الله سبحانه وتعالى بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه, عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنَّ مما أخشى عليكم شهواتِ الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى ) أخرجه أحمد والبزار والطبراني وصححه الألباني.والهوى من شرِّ الأدواء, قال الحسن البصري رحمه الله: (الهوى شرُّ داءٍ خالط قلباً) كما كان السلف – رحمهم الله- ينهون عن مجالسة أهل الأهواء – أي أهل البدع والضلالات- قال الحسن البصري رحمه الله: (لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم) وقال إبراهيم النخعي رحمه الله:(لا تجالسوا أهل الأهواء فإنَّ مجالستهم تذهبُ بنور الإيمان من القلوب, وتسلبُ محاسن الوجوه وتورث البغضة في قلوب المؤمنين). وقال أبو قلابة رحمه الله: (لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أنْ يغمسوكم أو يُلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون). قال ذو النون المصري رحمه اللّه تعالى:(إنما دخل الفساد على الخلق من ستة أشياء: الأول: ضعف النية بعمل الآخرة. والثاني: صارت أبدانهم مهيّأة لشهواتهم. والثالث: غلبهم طول الأمل مع قصر الأجل. والرابع: آثروا رضاء المخلوقين على رضاء الله. والخامس: اتبعوا أهواءهم ونبذوا سنة نبيهم صلى اللّه عليه وسلم. والسادس: جعلوا زلّات السلف حجة لأنفسهم، ودفنوا أكثر مناقبهم) وقال حكيم: (العقل صديقٌ مقطوع، والهوى عدوٌّ متبوع)انتهى. وأقول: (إني أرى أعمى البصيرة لا يسمع إلا بهواه ولا يكتبُ إلا بهواه ولا يقولُ إلا بهواه, فرأيهُ بما يهواهُ معقود, ولسانه لذوي الفضل جحود, أعياهُ هواه أنْ يتبع الحق فضَلَّ وما اهتدى, وإلى الهاوية هوى, عصمني الله وإياكم من اتباع الهوى وغفر لي ولكم في الآخرة والأولى). قال الشاعر:

إن الهوان هو الهوى قُلب اسمه

فإذا هويت فقد لقيت هوانا

http://www.alriyadh.com/2013/03/17/article818099.html

هل رأيتم أثقل من "الملقوف"؟

اللقافةُ داءٌ يسري في أجساد أصحابها, فهم يتلذذون بتطفلهم ولقافتهم, وحريٌّ بنا أنْ نعرِّج على تعريفٍ لهذا المصطلح. فاللقافة: هي إلقاء سؤال أو أكثر تصريحاً أو تلميحاً من شخص إلى آخر مما لا يعني السائل. وأما تعريف الملقوف فهو: الذي يتدخل فيما لا يعنيه بأسئلته لغيره. وأما تعريف المتَطَفل عليه فهو: ذلك الشخص الذي وجِّه إليه السؤال.
واللقافةُ خلقٌ دنيءٌ لا يتخلق به فضلاءُ الناس وشرفاؤهم, فالملقوف شخصٌ ثقيلٌ غير مرغوب فيه من قبل جلسائه, وللملاقيفِ سماتٌ متباينةٌ وطرقٌ ملتوية, وشباكٌ بالصيدِ ممسكة, ولهم تفنُّنٌ فيها, فهل رأيتم ثقيلاً أثقل من الملقوف؟!!
إنَّ من دواعي كتابة هذا المقال أنَّ أحد الفضلاء اشتكى إليَّ لقافةً مستمرةً عليه من أحد الأشخاص. يقول: منذ أنْ أراه وبعد السلام مباشرةً يبدأُ يسألني الأسئلة المتتابعة فيما يعنيني ولا يعنيه, وذلك ليحصل على أكبر معلوماتٍ ليشبع صفة اللقافة في نفسه وذلك في أسرع وقت ممكن, فقلتُ له إما أنْ تصبر عليه وإما أنْ تسأله عما يعنيه ولا يعنيك فلعله يمسك عن لقافته, ليحسَّ بما تُحس فإنْ لم يكن له إحساسٌ واستمرأ ذلك فأنصحهُ بلطفٍ فإنْ لم ينتهِ فصارحه بسوء فعله وأنك لا ترضى ذلك منه. ومما أذكِّر به الملقوف الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه) أخرجه الترمذيُّ وصححه الألباني. وفي هذا الحديث حثٌّ على ترك الفضول.
وإني أتساءل كم عدد الفضوليين (الملاقيف) عندنا؟ وما دواعي ذلك الفضول؟! هل تراهم يجدون لذةً في معرفة ما لا يخصهم؟! أمْ ترى أنَّ الفراغ أسلمهم إلى حُبِّ تطفُّلهم؟! أمْ أنهم يرون ذلك علماً ينتفعون به وينفعون غيرهم؟! ثم ما بالهم أليس في وجه أحدهم حياءٌ يمنعه؟!
إنَّ النصيحة لهم واجبةٌ, نصيحةٌ يلتمسُ فيها الرفق واللين, تُستصلح بها حال من وقع في هذا الداء العضال, وأحذركم من الشماتة والسخرية وقولوا: (الحمدلله الذي عافانا الله مما ابتلاه به وفضلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً).


http://alwatan.com.sa/Discussion/News_Detail.aspx?ArticleID=123613&CategoryID=8

ثلاث رسائل إلى معرض الكتاب

لما لمعارض الكتب من دور فاعل في الحراك الثقافي، ولما لمعرض الكتاب الدولي بالرياض من أهمية لدى المجتمع السعودي، ولما توليه الجهات المعنية من جهود مبذولة تُذكر فتشكر أحببتُ المشاركة بثلاث رسائل:
الرسالة الأولى: أوجهها إلى الإخوة الفضلاء في إدارة المعرض والقائمين عليه، في عدة نقاط: أولها: العناية بالمصلى وتوفير متطلبات مكبر الصوت، لئلا تتكرر إشكالية عدم توفر لاقط الصوت أو تعطله، وتوفير سجاد الصلاة "المدات" إذ إن الفرُش التي يصلى عليها هي في الحقيقة مداسٌ لنعال الناس – أجلَّكم الله - مما يحتم النظر بعين الجد في توفير سجاد يكفي للمصلين، يقوم بفرشها وطيّها عمال يُكلفون بذلك. الثانية: أهمية تسعير الكتب من قبل المعرض، إذ يلاحظ غلاء غالب الكتب، ومتابعة دور النشر المخالفة في ذلك. الثالثة: أن تحرص إدارة المعرض الموقرة على عرض الكتب النافعة، ومنع الكتب التي تُضر بالعقيدة الإسلامية، وكذلك منع الكتب التي فيها دعوة إلى التبرج والسفور، التي تعود على المجتمع بالانحلال الأخلاقي؛ وذلك حماية للفضيلة. الرابعة: تغيير موقع منصة القناة الثقافية في المعرض؛ لأنها تسبب زحاما حولها، فحبذا لو غُير مكانها إلى مكان مستقل واسع، أو يخصص لها صالة من الصالات المتوفرة لما فيه من توسعة على الرواد. الخامسة: خفض صوت مكبرات الصوت حال الإعلان عن فعاليات أو توقيعات على الكتب، لما في ذلك من إزعاج، والاكتفاء بتوزيع جدول الفعاليات اليومية.
الرسالة الثانية: أوجهها إلى الإخوة الأعزة رواد المعرض على نقاط: الأولى: الالتزام بالأنظمة المعمول بها في المعرض. الثانية: التعامل الحسن مع الناس من مسؤولين ورواد. الثالثة: الالتزام بالآداب الشرعية. الرابعة: الانصراف إلى مطالعة الكتب المقصودة واقتناء المختار منها. الخامسة: أن تحافظ المرأة على الحجاب واللبس الساتر. الخامسة: إذا رأيت منكرا فأنكره بالحكمة والرفق بعد الاستيضاح، فإنكار المنكر واجب عيني لقوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيـده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبـقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
الرسالة الثالثة: أوجهها إلى دور النشر والجهات المشاركة في المعرض، وذلك في أن يكون بيع الكتب بالسعر المعتمد من قبل المعرض، وأن توفر كميات الكتب في أول يوم، إذ يتأخر شحن وعرض بعض الكتب، وأن تراعي الجانب النوعي للكتب من ناحية العناوين والمضامين والورق والتجليد الجيد.
وختاما، أسأل الله أن ينفع بجهود وزارة الثقافة والإعلام، والجهات المشاركة كافة في تنظيم هذا المعرض، وأن يجعل أعمالهم فيما يرضي الله سبحانه وتعالى.


http://alwatan.com.sa/Discussion/News_Detail.aspx?ArticleID=135718&CategoryID=1

المؤمن يستر وينصح

ما أعظم إسلامنا، يدعو إلى ستر العيوب، وبذل النصيحة بالرفق وبالسر، دين كامل، يأمر بالأخلاق الفاضلة وينهى عن الأخلاق السيئة، دين كامل يحث على ستر العيوب والسماحة والعفو والإعراض عن الجاهلين، قال المنذري في الترغيب والترهيب: (الستر على المسلم تغطية عيوبه، وإخفاء هناته). وقال ابن حجر: (والذي يظهر أن الستر محله في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التلبس بها فيجب عليه الإنكار وإلا رفعه للحاكم)، وقال الإمام النووي: (المراد بالستر، الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس معروفا بالأذى والفساد، فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يُستر عليه، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إنْ لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأن الستر على هذا يُطمعه في الإيذاء والفساد) صحيح مسلم بشرح النووي.
كما جاء التحذير من أن يكشف المرء ستر الله عنه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه) رواه الشيخان. وجاء الحث على ستر عيوب الناس في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يستر عبد عبدا في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم: (من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) رواه الشيخان. وقال الحسن البصري: (من كان بينه وبين أخيه ستر فلا يكشفه) وسأل رجل الحسن فقال: (رجل علم من رجل شيئا، أيفشي عليه؟ قال: يا سبحان الله! لا) انتهى. قال بعض العلماء: (اجتهد أنْ تستر العصاة، فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب). وقال الفضيل بن عياض: (المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير). ومما روي أن قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب قال: هي أكثر من أنْ تحصى، والذي أحصيته ثمانية آلاف عيب، ووجدت خصلة واحدة إن استعملتها سترت العيوب كلها. قال: وما هي؟ قال: حفظ اللسان.
هذا هو إسلامنا يحثنا على ستر العيوب لما له من فوائد وحكم جليلة منها: أنه يطفئ نار الفساد في المجتمع، وأن من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة، وأن ستر العيوب يؤدي إلى المحبة والتعاطف بين الناس.



http://www.alwatan.com.sa/Local/News_Detail.aspx?ArticleID=118844&CategoryID=8

الاحتكار تأصيل وبيان

جاء الإسلام بتشريع كامل يغني عن جميع الأنظمة والتشريعات البشرية، وبما لا يصادم العقل الذي ميَّز الله به الإنسان، ومن كمال التشريع الإسلامي ومحاسنه أن بيَّن أحكام المعاملات بين الناس، فحرَّم ما فيه ضرر عليهم أو على بعضهم، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) وهذا الحديث قاعدة من القواعد الخمس الكلية الكبرى·
ومن الأشياء التي حرَّمها الإسلام الاحتكار: وهو صورة من صور الطمع والجشع الذي تفشى لدى بعض ممتهني التجارة، كما أنه خلق من الأخلاق الدنيئة، والحكر هو: الحبس· وأصل ذلك في كلام العرب: الحكر هو: الماء المتجمع كأنه احتكر لقلته· قال الجرجاني: الاحتكار: حبس الطعام للغلاء، وقال الإمام الشوكاني: (الاحتكار حبس السلع عن البيع)، وعن معمر بن عبدالله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحتكر إلا خاطئ) أي: إلا آثم وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله بالجذام والإفلاس)· وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (الجالب مرزوق   والمحتكر محروم، ومن احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله بالإفلاس والجذام)، وإن بعض التجار ضعفت نفوسهم، فحبسوا السلع عن الناس لأجل أن يزيد سعرها؛ لينالوا مكاسب أكثر داخلون في الاحتكار الذي نهت عنه الإسلام، وهم آثمون بفعلهم، عليهم التوبة إلى الله من صنيعهم مع عدم العودة إلى ذلك·
وتأتي أهمية المتابعة والمراقبة من قبل الجهات المسؤولة لمن تسوّل له نفسه الاحتكار وذلك حسب توجيهات القيادة الحكيمة وعلى رأسهم الملك العادل خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله – الذي يؤكد على محاسبة ومتابعة من يرفع الأسعار على الناس· وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا حكرة في سوقنا، لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق من الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا، ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده في الشتاء والصيف – كناية عمَّا يلاقيه من الشدة – فذلك ضيف عمر، فليبع كيف شاء الله، وليمسك كيف شاء الله)أي: فعمر يمنعه ممن أراد إجباره على البيع· وإن من فضل الله علينا أننا في بلاد تحكمها شريعة الله، تتمشى مع أوامر الله تعالى، ولا ترضى بكل ما من شأنه الإضرار بالناس برفع الأسعار عليهم عن طريق الاحتكار وغيره، كما أن على التجار في بلادنا المباركة أن يراقبوا الله في تعاملاتهم المالية الخاصة والعامة، وألا يجعلوا للحيل طريقاً يسلكونه للإضرار بالناس· وإن المؤمل في رجال وسيدات الأعمال في بلادنا أن يكونوا قدوة صالحة ومثالاً يحتذي لغيرهم في البلدان الأخرى في الأمانة وفي التعاملات الصادقة الموافقة لشريعة الإسلام، كيف لا يكونون كذلك وهم ينتسبون إلى بلاد هي قبلة المسلمين؟ حماها الله وحرسها من الشرور والفتن آمين· ومن صور الاحتكار: أن يحتكر التاجر أقوات الناس كالأرز والبر والشعير والسكر ونحو ذلك مما هو ضروري في معاش الناس وحياتهم، ليرتفع سعرها وينال ربحاً أكبر· ومن صور الاحتكار أيضاً: احتكار الأراضي من قبل بعض التجار الذين انصرفوا إليها بعدما نالهم ما نالهم من سوق الأسهم الكاسد، فارتفعت أسعار الأراضي ارتفاعاً باهظاً، مما ينبغي معه النظر في هذا الأمر، ومحاسبة المحتكر الذي أضر بالناس، وضيَّق عليهم ليوسع على نفسه، وليغتني زيادة على غناه وهم يفتقرون علاوة على محدودية دخولهم الشهرية، ولقد أصبح المرء حالياً لا يستطيع شراء أرضٍ ليقيم عليها منزلاً له ولأبنائه، فمسألة احتكار الأراضي من قبل بعض التجار تحتاج إلى وقفة سريعة وحازمة من الجهات المسؤولة، كي تعود أسعار الأراضي لسابق عهدها، وتنخفض معها إيجاباً أسعار المنازل، وتنخفض قيمة الإيجارات التي تثقل كواهل المقبلين على الزواج، وكذا الذين لم يستطيعوا تملّك منازل خاصة بهم وهم كثرة فينا، وفي متابعة هذا الأمر والمحاسبة عليه وإعادة الأسعار لوضعها الطبيعي من التخفيف وتفريج الكروب من الناس ما لا يعلمه إلا الله، كما إن لولي الأمر أن يكره المحتكر على بيع ما عنده بقيمة المثل عن طريق التسعير·
والاحتكار خلقٌ سيئ ودليل على دناءة النفس، وقد جاء الوعيد لمن تخلّق بهذا الخلق، كما أنه يسبب الكره والبعد عن الناس، وقاطعٌ للعلاقات الاجتماعية، وعاملٌ من عوامل اضطراب الناس وعدم استقرارهم، وفيه أيضاً مناقضة للإيثار الذي هو لب علاقة المسلم بأخيه· فليحرص من وقع في الاحتكار من التجار ألا يعود إليه وأن يتوب إلى الله ويستغفره، وأن يستحضر دائماً مراقبة الله، فهو خير لهم في دينهم ودنياهم، وبركة في أموالهم، وكمال في أخلاقهم، فالإسلام لم يأمر ولم ينه إلا بما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة، جعلني الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وعفا الله عني وعنكم آمين·


http://www.aldaawah.com/?p=5729

القول البيِّن في تأبين الشيخ صالح الحصيِّن

لأهل العلم والفضل مكانةٌ جُلَّى، وأحسب أنَّ من قلائل الرجال وأهل العلم الذين خدموا الإسلام العالم الزاهد الناصح معالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصيِّن – رحمه الله- الذي بذل حياته في خدمة الإسلام وأهله، وتميَّز بالأخلاق الفاضلة التي شهد له بها كل من جالسه وعرفه وسمع سيرته، عاش حياته كريماً شهماً نبيلاً، إنْ رأيتَه في الزهد فهو إمامٌ فيه، وإنْ رأيتَه في الثبات على المبدأ فهو قدوةٌ فيه، وإنْ أبصرت حاله في النصح والتوجيه والإرشاد فهو مسابقٌ إليه، يعمل بصمت، لا يقول فعلتُ أو قلتُ أو أنكرتُ أو قابلتُ أو ذهبتُ أو جئتُ، لا يلتفت إلى الأضواء ولا يوليها اعتباراً أو شأناً، في سمتٍ ووقارٍ وسكينة، تأريخه مشرقٌ ناصعٌ، يُذَّكرنا بما كان عليه السلف الصالح، في عصرٍ عزَّ فيه أنْ يوجد أمثاله، وهو من رجال الدولة السعوديِّة ونال ثقة ولاة الأمور، فولَّوه المناصب فما نظر إليها، بل عمل فيها باجتهادٍ وإخلاصٍ ومحضِ نصحٍ، وله جهودٌ متميزةٌ في خطواتٍ حكيمةٍ ثابتةٍ في جميع الأعمال التي أوكلت إليه.
وأما المناصب التي تولَّاها فقد استخفى عنها وطلبته، وأحبَّته وما أبِهَ لها، وما استشرف إليها، وكأني به وقد نظر إلى الدنيا فازدراها، ونظر إلى الآخرة فعمل لأجلها، أحسبه كذلك والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً.
إنَّ في تدوين سيرة هذا العالم الزاهد والوزير المتواضع الناصح والمستشار الأمين إضافةٌ عاطرةٌ لسير أعلام النبلاء المعاصرين، يجد القارئ فيها الدروس والحِكَم.
وبيت آل حصيِّن من البيوت العلميَّة التي أنجبت العلماء والصالحين والقضاة والنبلاء، يأتي في مقدمتهم الشيخ العلامة عبدالعزيز الحصيِّن ت 1237 هـ، تلميذ شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله جميعاً.
سمعت والدي -رحمه الله – يقول: (الشيخ صالح الحصيِّن من خيار المستشارين وهو ناصحٌ أمينٌ ويحمل همَّ الدين). ومما سمعته من والدي قوله: (الشيخ صالح الحصيِّن من الصالحين المصلحين وله مواقف مشهودةٌ في خدمة الإسلام) وكنتُ كلما سألت والدي عنه أثنى عليه ثناء المحبِّ لما عَلِمَ من سيرته الطيبة، وحياته الحافلة بالعطاء، ولقد عرَّفني والدي بسيرة هذا العالم الزاهد وشيء من أخلاقه في سنٍّ مبكرةٍ وما أحسب ذلك منه – رحمه الله- إلا تربية ودلالة على أفذاذ الرجال الذين يفاد من سيرهم ومواقفهم، وكأني به يقول لي: (انظر إلى أمثال هؤلاء الرجال فهم قدواتٌ معاصرون، نفع الله بهم). والحديث عن سيرة الشيخ صالح الحصيِّن -رحمه الله – حديثٌ ماتعٌ لا يمل وأتمنى تدوين سيرته وقصصه ومواقفه وجهوده في خدمة الإسلام, كما أني أعرضت عن ذكر كثيرٍ من جوانب حياته المعروفة عنه, تلافياً للتكرار, وختاماً أودُّ أنْ أشير إلى أنَّ فضيلة الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله السدحان ألَّف كتاباً في سيرة الشيخ إبراهيم بن عبدالرحمن الحصيِّن – رحمه الله- أخو معالي الشيخ صالح وهو كتابٌ ماتعٌ مفيدٌ, رحم الله الشيخ صالحاً وغفر الله له وأدخله الجنة وجمعنا به ووالدينا فيها.


http://www.alsharq.net.sa/2013/05/21/841612

الموظف مؤتمن

هذه أسطرٌ أوجهها إلى أخي الموظف الكريم الذي يستشعر أنَّه مؤتمنٌ على عمله، مما يجب عليه أداء الأمانة بالقيام بعمله على أكمل وجه، وأنْ يحرص كلَّ الحرص على إنجاز ما كلِّف به وعدم تعطيل معاملات المراجعين أو تأخيرها، فالموظف لم يُعيَّن في وظيفته إلا للقيام بعمله على الوجه المشرِّف الذي تبرأ به الذمة، فمنْ أحسن في عمله وراقب الله عزوجل، فإنَّ الله يبارك له فيما يتقاضاه من رواتب، ولك أنْ تعجب أنَّ البعض راتبه لا يتجاوز بضعة آلاف ويجد البركة فيه، والبعض الآخر راتبه يبلغ الثلاثين والأربعين ألفاً ولكنه يشتكي عدم كفايته إلى نهاية الشهر!! ومن جالس كبار السن وأفاد منهم ما يروونه منْ قصصٍ تربوية ونصائح أبوية، فيها أنَّ البركة في المال القليل خيرٌ من المال الكثير الذي لا بركة فيه.
إنَّ الموظف أجيرٌ لدى من وظَّفه، فكما أنَّه يريد أنْ لا يُنقص من راتبه شيئاً فكذلك يريد منه صاحب العمل أنْ يبذل جهده في عمله وأنْ يخلص فيه، فعلى كل موظفٍ أنْ يولي عمله اهتمامه، وأنْ يحفظ وقت عمله لمصالح العمل لا للمصالح الشخصية. أرأيتم ذلك الموظف الذي يُعطِّل المعاملات ويؤخرها؟ هل هو محسنٌ في عمله أم أنَّه مسيءٌ فيه؟ وهل قدَّر المراجعين وأعطاهم حقهم بإنهاء ما يخصهم من عمل؟ وهل قدَّر الأمانة الملقاة على عاتقه؟ وبماذا سيقابل الله تعالى إذا سأله عن تقصيره؟ وأسئلةٌ كثيرةٌ تتبادر إلى الذهن، مما ينبغي أنْ يحاسب المرء نفسه قبل أنْ يحاسب، وأنْ لا يؤثر الدنيا على الآخرة، فإنَّ الدنيا فانيةٌ والآخرة باقيةٌ وهي الحياة الحقيقية، وعليك أيها الموظف المقصر أنْ تنفض غبار التقصير وتشمِّر عن ساعد الجد في عملك، وتبادر إلى تصحيح ما وقعت فيه من خطإٍ وتقصير، وسترى بإذن الله من البركة والسعادة مالم يجده من أهمل عمله أو استغله في مصالحه الشخصية.


http://www.alsharq.net.sa/2013/02/21/731778

الحسد مُمرِضٌ للقلبِ والجَسَد

الحسد صفةٌ مذمومةٌ من صفات النقص فيمن تخلَّق به، وهو أوَّل ذنبٍ عُصي الله به، وفيه من الآفات والأضرار والعواقب ما يكون وبالاً على صاحبه، لذا نهى عنه الإسلام، قال ابن منظور:(الحسد أنْ تتمنى زوال نعمة المحسود). والحسد والبخل مشتركان في أنَّ صاحبهما يريد منع النعمة عن الغير، ثم يتميز البخيل بعدم دفع ذي النعمة شيئاً، والحاسد يتمنى ألا يعطى أحدٌ سواه شيئاً والفرق بين الغبطة والحسد أنَّ الغبطة تمني الإنسان أنْ يكون له مثل الذي لغيره من غير إرادة إذهاب ما لغيره، وأمَّا الحسد فهو إرادة زوال نعمة الغير، والغبطة صفة المؤمن والحسد صفة المنافق. والحسد يدخل على الغني والفقير والعالِم والجاهل والوضيع والرفيع والأخ وأخيه والقريب لقريبه والجار لجاره ويدخل على مستوى الأقوام، كقومٍ حُسَّدٍ إنْ رأوا نعمةً بازغةً على غيرهم سعوا لنـزعها وفي زعمهم أنهم أحقُّ بها، قال صلّى الله عليه وسلّم:(إنَّ اليهود قومٌ حُسَّد). قال ابن القيِّم رحمه الله:(ويندفع شرُّ الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب: الأول: التعوذ بالله من شره، والتحصُّن به واللجوء إليه. الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه. فمن اتقى الله تولّى الله حفظه ولم يكله إلى غيره. الثالث: الصبر على عدوِّه وألا يقاتله ولا يشكوه ولا يحدث نفسه بأذاه أصلاً. فما نصر على حاسده وعدوِّه بمثل الصبر عليه. الرابع: التوكل على الله، فمن توكل على الله فهو حسبه، الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، فلا يلتفت إليه ولا يخافه ولا يملأ قلبه بالفكر فيه، وهذا من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره. السادس: الإقبال على الله، والإخلاص له وجعل محبَّته ورضاه والإنابة إليه في محلِّ خواطر نفسه. فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيه كلها في محاب الرب والتقرب إليه. السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه. فإنَّ الله يقول:(وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم) . الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإنَّ لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء ودفع العين وشرِّ الحاسد ولو لم يكن في هذا إلا بتجارب الأمم قديماً وحديثاً لكُفِيَ به. فما حرس العبدُ نعمةَ الله عليه بمثل شكرها ولا عرَّضها للزوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله، وهو كفران النعمة وهو باب إلى كفران المنعِم. التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس، وأشقها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظُّه من الله، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلَّما ازداد أذىً وشرَّاً وبغياً وحسداً ازددت إليه إحساناً وله نصيحةً وعليه شفقةً. وما أظنُّك تُصَدِّق بأنَّ هذا يكون فضلاً عن أنْ تتعاطاه، قال تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنَّه وليٌّ حميم* وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظٍّ عظيم* وإما ينزغنَّك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنَّه هو السميع العليم) . العاشر: وهو الجامع لذلك كلِّه وعليه مدار هذه الأسباب وهو تجريد التوحيد والترحُّل بالفكر في الأسباب إلى المسبِّب العزيز الحكيم والعلم بأنَّ هذه الآلات بمنــزلة حركات الرياح وهي بيد محركها وفاطرها وبارئها ولا تضرُّ ولا تنفع إلا بإذنه، فهو الذي يُحسِنُ عبدُه بها، وهو الذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه. قال تعالى: (وإنْ يمسسك الله بضرٍّ فلا كاشف له إلا هو وإنْ يردك بخيرٍ فلا راد لفضله) انتهى. وقال تعالى:( ومن شرِّ حاسدٍ إذا حسد ) وقال تعالى: (ودَّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إنَّ الله على كل شيءٍ قدير) وقال سبحانه: ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) . وعن عائشة- رضي الله عنها- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:(ما حسدتكم اليهود على شيءٍ ما حسدتكم على الإسلام والتأمين) . وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (إيَّاكم والظن، فإنَّ الظن أكذب الحديث، ولا تحسَّسوا ولا تجسَّسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً).
والذنوب يجرُّ بعضها بعضاً، فالحسد قد يجرُّ إلى الظلم والغضب والغيبة والنميمة والبهتان والهمز واللمز والافتراء والحقد والطمع والبخل وشهادة وقول الزور والكذب وإخلاف الوعد والفجور في الخصومة والخيانة والخداع والمكر والغش والسخط والسخرية والاستهزاء والشماتة والكبر وعدم الإنصاف. والحاسد ساخطٌ على الله في قضائه إذ ليس يرى في قضاء الله عدلاً ولا لنعمه على الناس أهلاً، يبغضه الناس ويمقتونه فتدنو منــزلته وتنحطُّ مرتبته حتى لا يجد فيهم محبَّاً. أعاذني الله وإياكم من الحسد وجعل قلوبنا قلوبا سليمة لا حسد فيها ولا سخيمة.


http://www.alsharq.net.sa/2012/07/23/406625