الخميس، 23 مايو 2013

التعقيب على الشيخ بدر الضيط حول العصبيات القبلية



الأخ يوسف العتيق المشرف على صفحة وراق الجزيرة -وفقه الله.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:-


فقد اطلعتُ على ما نُشر في جريدة الجزيرة في صفحة الوراق في العدد رقم (13240) من أمر مهم يمس مجتمع بلدنا المتآلف، حيثُ جاء التركيز على مسألة التعصب والعنصرية، واستمتعتُ بقراءة الحوار مع الشيخ بدر الضيط, وكذلك المقالين الآخرين لكم، والموضوع الذي تطرقتم إليه جاء في وقته، إذ بدت العصبيات تكشّر عن أنيابها في توسّع وانتشار بدا كالظاهرة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، مما أثّر جليَّاً في نفوس الناس وخصوصاً الشباب منهم، فبدت مظاهر احتقار الناس بعضهم البعض عن طريق الطعن في القبائل والعشائر والأسر سواء على الشبكة العنكبوتية أو بعض القنوات الفضائية، فثارت نعرة من نعرات الجاهلية التي دورها التفريق والتحزب لا الاجتماع والألفة. ولا ريب أن التفرق يزيد الأمة ضعفاً إلى ضعفها، والإسلام أمر المسلمين بالاجتماع والتآلف والمحبة كي يصبح المجتمع قويَّاً مهاباً. فكان لزاماً على العقلاء التحذير من العصبية القبلية التي من ضمنها الطعن في الأنساب. وليعلم الطاعن فيها أنَّه وافق أهل الجاهلية في هذه الخصلة المذمومة، فالإسلام لم يفرق بين أبيض وأسود ولا قبلي وغير قبلي بل جعلهم كلهم سواء، يعبدون ربَّاً واحداً، ويتبعون نبيَّاً واحداً وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ويدينون بدين واحد وهو الإسلام، وأبوهم واحد وهو آدم عليه السلام، فلا يجوز لأحد كائناً من كان أنْ يفتخر بحسبه وأجداده وما حصَّلوه من مجد وقوة وسؤدد، قال الشاعر:
إنَّ الفتى من يقول ها أنا ذا
ليس الفتى من يقول كان أبي


كما لا يجوز للمرء أنْ يطعن في أنساب الناس وآبائهم وأجدادهم لما رواه أبو مالك الأشعري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - (أربعٌ في أُمتّي من أمر الجاهليَّة لا يتركونهن.. الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت)، أخرجه مسلم. ولا شك أنَّ المفاخِرَ بحسبه والطاعن في الأنساب فيه خصلتان من خصال الجاهلية لا تزال فيه حتى يدعها، وتدل على جهل وحمق الواقع فيها. قال العلاَّمة محمد ابن عثيمين - رحمه الله - الفخر هو التعالي والتعاظم على الناس بالآباء ومآثرهم، أي يفخر بسبب الحسب، والحسب هو ما يحتسبه الإنسان من شرف وسؤدد، كأنْ يكون من بني هاشم فيفتخر بذلك أو من آباء وأجداد مشهورين بالشجاعة فيفخرُ بذلك، وهذا من أمر الجاهلية لأن الفخر في الحقيقة يكون بتقوى الله تعالى الذي يمنع الإنسان من التعالي والتعاظم، والمتقي هو الذي كلما ازدادت نعم الله عليه ازداد تواضعاً للحق وللخلق. وقال عند قوله (والطعن في الأنساب) أنَّ الطعن هو العيب لأنَّه وخزٌ معنويٌ كوخز الطاعون في الجسد، ولهذا سمي العيب طعناً، كأن تقول له يا ابن الدباغ. (انتهى).


ونحن في هذه البلاد المباركة لدينا من الألفة والترابط والتلاحم ما يحسدنا عليه غيرنا، فقد جمع الله شملنا بعد تفرق وشتات، بعد توحيد البلاد على يد المؤسس الإمام المصلح الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- كما إنَّ إثارة الأمور التي تفرِّق من عصبية ونحوها من الأشياء المنكرة يجب معالجتها وفق ضوابط الشرع المطهر. وفي نظري أنَّ متابعة كل ما من شأنه إثارة وإذكاء العصبية القبيلة أمرٌ مطلوبٌ متحتمٌ كي لا تكثر ولا تستشري في الناس فيصبحوا فرقاً وأحزاباً، وأيضاً محافظة على لحمة الوطن الواحد - زاده الله قوة وتماسكاً لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.


وإليكم أوجه نصحي يا من وقعتم في العصبية أنْ تعودوا كما هو توجيه الإسلام، ففي الحديث الذي رواه البخاري عن سليمان بن حرب وساق إسناده إلى المعرور قال: لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة فسألته عن ذلك فقال إنّي ساببتُ رجلاً، فعيّرتُه بأمّه فقال ليَ النبي صلى الله عليه وسلم (يا أبا ذر أعيَّرتَهُ بأمّه، إنّك امرؤٌ فيك جاهليّة..) الحديث. فعلى المرء أن لا يعيِّر أحداً بأمّه أو أبيه فلا يقول يا بن السوداء وما ماثلها. وإذا كان الإسلام يحثُّنا على احترام بعضنا البعض وينهانا عن التعصب القبلي وغيره من التعصبات التي تفرق الأمة الإسلامية وتهدد كيانها، فعلينا جميعاً أنْ نتوجّه لتوجيهاته ونمتثل لأمره.


والملاحظ في الآونة الأخيرة ظهور بعض القنوات الفضائية وبعض المنتديات على الشبكة العنكبوتية التي قد يكون لها أثر مباشر أو غير مباشر في إشعال نار العصبية القبلية، كما أنَّ تعاهد النصح للقائمين عليها أمرٌ مطلوب حفاظًا على مجتمعنا من التفرق والتحزب.. والله الموفق. 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق