الأحد، 26 مايو 2013

أرعني سمعك يا ولدي

ولدي، إليكَ أسطّر كلاماً، فأرعني سمعكَ فإنّي أريدُ لك الخير وتوجيهك ونصحك، وهذا منْ حبّي لك، ولدي احرصْ على ما ينفعك في الدنيا والأخرى، وكنْ في جميع أحوالك محاسباً نفسك، ومراقباً ربَّك، فاحذرْ أنْ يراكَ حيثُ نهاك، لا تجعلْ الدنيا أكبر همّك ولا مبلغَ علمك، ولديْ اجعلْ القرآن الكريم أنيسك، والرجل الصالح جليسك، وإيَّاك وقيل وقال، ومجالسة الأشرار، ففي مجالستهم طريق يوصل إلى الهاوية، ولدي وثمرة فؤادي اعلم أنَّ السعادة لا تحصل بكثرة الأموال والأولاد، و إذا أردت السعادة فهي في طاعة الله وفي مجالس الذكر، وأعظم المجالس فضلاً مجالسُ العلماء الذين يعلِّمون الناس علوم الكتاب والسنة، أولئك القوم تحفّهم الملائكة وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم الله فيمن عنده، فهنيئاً لهم إذا قيل لهم: انصرفوا مغفوراً لكم، كما أنَّهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، فاحرصْ يا ولدي على حضور تلك المجالس في المساجد، وليكنْ تتلمذك على كبارهم، وقيّد الفوائد من شروحهم، ولا تظن أنَّ العلم يُنال بالسهولة، فلابدَّ من الصبر والمصابرة والجدِّ والمثابرة، وإنْ أشكلت عليك مسألة فلا تتردد بالسؤال لتعرف الجواب، و لتعلم أنَّ في طلب العلم ومجالسة العلماء سعادة ولذة لا يعرفها إلا من ذاق طعمها، ولدي إنَّ السعادة ثمَّ هنالك في مجالس الذكر، واعلم يا ولدي أنَّ في طلبك العلم رضا الله سبحانه، وكذلك فإنَّ الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، والحيتان في الماء تستغفر له، فهلْ بعد هذا فضل، يا ولدي اعلمْ أنَّ حاجة الناس للعالم بالكتاب والسنة أكثر من حاجتهم للماء والأكل، فاحرصْ على طلب العلم لعلَّك تكون من ورثة الأنبياء، ولدي عليك بمجالسة ذوي الرأي والحكمة ولك أنْ تسأل أين أجدهم ؟ تجدهم يا ولدي في العلماء العاملين، ومن ثمَّ كبار السن العقلاء الذين صقلتهم التجارب، وعاشوا عقوداً من الزمن في كفاحٍ وعراكٍ، إلى أنْ عرفوا منها ما يخوّلهم في عرض الرأي السديد والنصح الرشيد، واسمع من حديثهم وأخبار ما جرى في زمنهم، لتستفيد منها فتصل إلى ما وصلوا إليه من الرأي والحكمة على صغر سنٍّ، كنْ موقراً لهم، وإيَّاك والسخرية منهم أو الاستهزاء بهم، ولا تظن أنَّك أعرف منهم بعلمك وثقافتك، وإنْ ظننت ذلك فما ذاك إلا لجهلٍ فيك، عامل كبير السنِّ معاملة الأب يعاملك معاملة الابن، يا ولدي إنِّك سترى في الدنيا غرائب وعجائب، وبمخالطتك للناس سترى منهم أصنافاً وألواناً، ما كنت تتوقع رؤيتهم، فكنْ حليماً صابراً متأنياً، فالحلم خصلةٌ كريمةٌ تنال بها الأجر والثواب، والصبر دليل القوة، ومن صبر ظفر، والتأني سلامةٌ وتوفيق، يا ولدي إيَّاك احتقار وازدراء الناس فهي منقصةٌ وعيبٌ، ودليلٌ على سوء الخلق، ولتعلم أنَّ في احتقار الناس ظلما لهم، وكبرٌ في محتقرهم، فكنْ متواضعاً عارفاً للناس أقدارهم ومنازلهم، يا ولدي إيَّاك والفخر بآبائك وأجدادك وحسبك ونسبك فما في الفخر خيرٌ، لأنَّه لا ينفعك إلا ما قدّمت من عملٍ صالحٍ مخلصٍ فيه لله، واعلمْ أنَّ العقلاء وذوي الرأي والحصافة والعلم والدراية لا يفخرونَ بعملٍ عملوه أو علمٍ حصّلوه، بلْ يسألون الله الإخلاص والقبول في القول والعمل، وهم بين الخوف والرجاء، يخافون عقاب الله ويرجون رحمته، ولدي إنَّ الدنيا ممرٌ يمتحن فيه المرء فتجاوز الامتحان بالفوز الذي ينجيك، وقليلٌ هم الناجون، وهم عباد الله المؤمنون المستقيمون على طريق الحق، ولا يضيء هذا الطريق لك إلا العلم النافع فاسع جاهداً في تحصيل العلم النافع، ولتعلم أنَّه لا نور يضيء في الظلام الحالك إلا الكتاب والسنة فتعلمها وفق فهم سلف الأمة، ولتعلم أنَّ العلماء كالنجوم يهتدى بهم في الظلمات، وهم أهل الذِكر، وهم أخشى الناس لله، ولدي لا يغرنّك أصحاب الأموال الطائلة، والمراكب الفارهة، والقصور المشيَّدة، فهم يتمتعون بها في دارٍ زائلةٍ فانيةٍ، واللذة التي يتذوقونها إنَّما هي لذةٌ عابرةٌ، تنقضي سريعاً ويبقى الحساب عليها غداً، فاقنعْ بما عندك من المنزل والمركب والمال، ففي القناعة سعادةٌ ولذةٌ، كما أنَّ فيها الرضا والتسليم بما كتب الله لك من رزق، ولدي إنْ منَّ الله عليك بالمال والجاه فابذل المال وأنفق منه على المحتاج، ولا تبخل به فالمال مال الله والرازق المعطي ذو المنِّ هو الله وحده لا شريك له، وإنْ أقرضت إنساناً، ولم يستطع الوفاء فاعفُ عنه، لعلَّ الله يعفو عنك يوم القيامة، ولدي ليكنْ لك رأي رشيد، وإيّاك والتعصب للرأي، وإنْ علمت أنَّ في رأيك مخالفة للكتاب والسنة فاضرب به الحائط، و أخبر عن رجوعك للرأي الصواب، فالرجوع للحق محمودٌ، والبقاء على الخطأ مذمومٌ، ولدي اغتنم أوقاتك فيما ينفعك، فلا تُذهبها سدىً، فإنَّ مُضيَّ الوقت مُضيٌّ للعمر، وأعمار أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم قصيرةٌ، فأشغل وقتك بالمفيد، ولدي إيّاك واللسان فخطره عظيمٌ وآفاته كثيرةٌ، وأعظم آفاته الكذب وقول الزور والنميمة والغيبة، واحذرْ من قيل وقال، فلا تقل قال فلانٌ وقال، فكفى بالمرء كذباً أنْ يحدِّث بكل ما سمع، ولدي لا تغتر بنفسك إنْ مدحك المادحون، فمدحهم لا ينفعك وقد يضرك فتغتر بنفسك، وترى لك قدراً أكبر من قدرك، فاعرف قدرك ومنزلتك على الحقيقة حتى لا يدخل الغرور قلبك، وإذا سمعت مادحاً أمامك، فقل اللهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون، ولدي كنْ ذا أخلاقٍ فاضلةٍ، وعامل الناس بخلقٍ حسنٍ وحُبَّ لأخيك ما تحبُّ لنفسك، ولدي كنْ مع الحق حيث كان، و دُر معه حيث دار، كنْ متكاتفاً مع باقي إخوانك، وكونوا يداً واحدةً، واجتمعوا على الحق، وإيَّاكم والاجتماع على ما يخالفُ الحق، ولدي صِل رحمك وأقاربك، وبرّ أمَّك ووالدك، واعلم أنَّهما يريدان لك الخير، ويتمنيان أنْ يرياكَ صالحاً مصلحاً، يتمنيان لك التوفيق للخير والرشاد، وأنْ يرياك من عباد الله الصالحين، ولتعلم أنَّ قرار عينيهما إذا رأوك مطيعاً لهما عارفاً حقهما قريباً منهما دائم الزيارة لهما، وإنْ أشغلتك دنياك عن زيارتهما فاعلم أنَّك على خطأ، فالدنيا ومشاغلها ليست بأهم من تفقُّد والديك وصلتهما، ولدي اعلمْ أنَّ الصدق نجاةٌ وفلاحٌ، والمتصف بالصدق متصفٌ بصفات المؤمنين، والله يحبُّ الصادقين، و ما يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً، ولدي إنَّ الناس في هذا الزمن تغلب صفة الكذب صفة الصدق فيهم، فاحذرْ كذبهم وكنْ صادقاً معهم، ولدي إنَّ الصلة بالله من أعظم الصِّلات فكن دائم الصلة بربِّك وتذلل له، ولتكنْ مناجياً ربَّك في كلِّ ليلةٍ، وداوم على ذلك فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدومه وإنْ قل، ولدي إذا بلغت سنَّ الزواج فاختر زوجةً صالحةً من بيتٍ صالحٍ فإنَّ أوَّل إحسانك إلى أولادك اختيارُ زوجةٍ صالحةٍ من بيتٍ صالحٍ، واحذرْ خضراء الدمن وهي: المرأة الجميلة التي نبتت في منبتٍ سوءٍ، أيْ تربَّت تربيةً سيئةً، أو كان أهلها معروفون بالأخلاقِ الرديئة، عليك بالأسرة التي يكثرُ فيها الصالحون والمتعلِّمون، فإنَّ في القرب منهم غنيمة، ولدي كنْ في كلِّ أمورك متوكلاً على الله، واذكرْ نعم الله عليك وعلى والديك واشكر الله عليها، فالله يحبُّ الشاكرين، واعلمْ أنَّ فضل الله واسعٌ ورحمته وسعتْ كلَّ شيء، ولدي كنْ وفيَّّاً لأصحابك، واحذر أنْ تُقدِّمهم على والديك، فالبرُّ بالوالدين واجبٌ وفرضٌ، فلا يشغلنَّك أصحابك عنه، واحفظ لأمِّك حقَّها فحقُّها عظيمٌ، وبرّ بوالدك فبرّهُ واجبٌ وطاعته فرضٌ فيما لا يغضبُ الرب، ولدي إنَّ هذا زمن تكثر فيه الفتن فاحذرها وهي على نوعين فتن شبهات وفتن شهوات، فتعوَّذ بالله منها، واعلم أنَّها كلُّها خطيرةٌ إلا أنَّ فتن الشبهات أعظم خطراً ولا طريق للنجاة من فتن الشبهات إلا بتعلُّم العقيدة الصحيحة، وأنصحك بحفظ كتاب التوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد، والأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، ومسائل الجاهلية، وكشف الشبهات، ونواقض الإسلام العشرة، التي ألفَّها شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - وكذلك كتاب العقيدة الواسطيِّة لشيخ الإسلام ابن تيميَّة، وغيرها من الكتب ففيها حصانةٌ بإذن الله وحمايةٌ منْ أنْ تقع في تلك الشبهات، وإيَّاك والجلوس مع أهل الابتداع والضلالة خشية أنْ يقذفوا شبهة لا تستطيع ردَّها فتعلَقَ في قلبك، ولقد حذَّر الإمام أحمد - رحمه الله- من الجلوس مع المبتدعة وكذلك حذَّر منها باقي الأئمة الأربعة - رحمهم الله-، ولقد كان يزور المبتدعةُ الإمام أحمد فلا يستقبلهم ولا لبيته يدخلهم، وأمَّا فتنُ الشهوات فهي كل ما تشتهي النفس الأمَّارةُ بالسوء من فعل المعاصي والآثام، كالنظر المحرَّم مثل النظر إلى النساء الأجنبيات اللاتي لسن لهنَّ بمحرَم، وكذا النظر إلى الصور والأفلام التي فيها خلاعةٌ ومجونٌ، والسماع المحرَّم كسماع الأغاني والمزامير والموسيقى، والأكل المحرَّم كأكل لحم الخنزير، والشرب المحرَّم كشرب الدخان والخمر والمخدرات، والكلام المحرَّم كالغيبة والنميمة وفاحش الكلام والكذب، واحذر السبع الموبقات فهي المهلكة، ولدي إنَّ في خاطري كلاماً كثيراً، لا تفي به بضع صفحاتٍ، ولعلَّ فيما قلتُ كفايةٌ لمن عقل، وإنْ كان من خاتمةٍ فهيَ وصيتي إليك بالصلاة الصلاة، أقمها كما أمر الله، واتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن، وأسأل الله لي ولك توفيقاً وهدايةً وتمسُّكاً بالحق وثباتاً عليه والله يحفظك ويرعاك وأستودعك الله. 

http://www.al-jazirah.com/2009/20090203/rj4.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق