الأحد، 26 مايو 2013

أبو عبدالرحمن ابن عقيل نصحٌ بصريح القول وإفادةٌ بحقيقة الحال

سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد اطلعت على المقال الذي كتبه الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري -حفظه الله- يوم الأحد 15-7-1431هـ والعدد رقم (13786) وكتبت مُشيداً بما كتبه آملا نشره في صحيفتكم الغرَّاء.
ففي مقالٍ بديعٍ، وجُرأة ناصحٍ بصريح القول، وإفادةٌ بحقيقة الحال، ووعظٌ بأسلوب الرفيق الشفيق، أتحفنا شيخنا أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري بمقاله في العدد رقم (13786) الذي هو درَّةٌ من الدرر أثمرتْ وأينعتْ في حال الكبر، امتزج فيها حبٌّ مكنونٌ، ورفقٌ بالحكمة مصونٌ، خطَّه يراعهُ في العقد الثامن المبارك من عمره، بيَّن فيه بجرأته المعتادة ونصحه المعهود ليصحح خطأً وقع فيه من وقع، توشَّح بتوثيقٍ أصيلٍ وذوقٍ رفيعٍ، فاختصر الطريق لطالب الحقِّ، ليسلكه راغبٌ في النجاة منْ سيلٍ متلاطمٍ يكاد يُفقد ذوي العقول عقولهم من شُبَهٍ شابها هوى فزادها خوى، ولا ريب أنَّ الرجوع للصواب بعد العلم به، واللجوء إلى تصحيح ما اشتهر عن المرء، شجاعةٌ لا يقدر عليها إلا ذوي العقول الناضجة، فأصبح ابن عقيلٍ فينا منْ قبل ومنْ بعد ذا حسٍّ مرهفٍ، وذا شفافيةٍ قلَّ نظيرها بين أقرانه وبني زمانه، فلله درّه، فهو قدوةٌ لمنْ تبيَّن له الحق فعاد إليه أنْ يُشهر رجوعه عمَّا اشتُهر عنه بلفظه الصريح ليعلم الناس عوده المحمود، فتبرأ ذمّته، وتُحمدُ عاقبته، ولا ريب ولا شك أنَّ في توثيقه لمسألةٍٍ تهمُّ الأمَّة جمعاء درسٌ نافعٌ وموعظةٌ لطيفةٌ تؤنسُ أولي الألباب، وتُفيد الطلاب، وتجلِّي الغشاوة، ولقد استمتعتُ كما استمتع غيري بقراءة ما قال، وأبهرني أسلوبه وصدق لهجته ولطف عبارته، ودقة توثيقه، ورجاحة تصويبه، وزادني إعجاباً ما عرَضه منْ تجربته، فأحسستُ منه حنان الأبوَّة على البنوَّة أنْ يقعوا في خطأ تمَّ استدراكه منْ أبٍ مشفق، وأسعدني ما بسطه منْ كلامٍ كالدرِّ المنثور في حديثه عن القرآن الكريم بقوله ( لكنَّه يملأ القلب فرحاً وأشواقاً ليست كالأتراح والضيق التي تعقب سويعات الاستمتاع بالغناء، وهذه تجربةٌ صادقةٌ مارستُها في حياتي ...) إلى أنْ قال : (على أنَّ من التذَّ باستماع الذكر الحكيم بالتغني لا بالغناء لن يحتاج إلى متعةٍ سماعيَّةٍ أخرى)، قلتُ موافقاً : نعم كيفَ لا يملأ استماع القرآن الكريم وتلاوته القلب أفراحاً وأشواقاً وهو كلام الله الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (42) سورة فصلت، إنَّه القرآن الكريم الذي أعجز البلغاء ببلاغته والفصحاء بفصاحته قال تعالى?قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا? (88) سورة الإسراء، إنَّه القرآن الكريم الذي فضلُه لا يجاريه فضل كتابٍ، إنَّه المعجزة الكبرى والمنَّة العظمى من الله على بني الإنسان، منْ تلاه وحفظه أعطاه الله من الأجور بفضله ومنِّه وكرمه، فبكلِّ حرفٍ يُتلى منه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، كيف لا تكون السعادة بتلاوته واستماعه وفيه ومنه الشفاء من الأسقام الروحيَّة والجسديَّة بإذن إلهنا المنَّان وحده لا شريك له، ألم يقل الله تعالى: ?وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ?(82) سورة الإسراء، وقال تعالى: ?قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء?(44) سورة فصلت، وقال تعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ? (57-58) سورة يونس، هذا هو القرآن الكريم، فيه من الفضل ما يُعجزُ عن الحصر، وما أجمل تلك الوصية من الشيخ أبي عبدالرحمن ابن عقيل بالإفادة من مثل كتاب (تحريم آلات الطرب) للمحدِّث الألباني - رحمه الله- في صنعته الحديثية، وتحذيره من الكتاب الخاسر (أحكام الغناء والمعازف وأنواع الترفيه الهادف ) لسالم بن علي الثقفي، وفي خاتمة المسك لمقاله بعد سوقه لما قاله ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ (الغناء ينبت النفاق في القلب) فقال ابن عقيل لا جفَّ له قلم: (فأولُّ علامات النفاق أنَّنا نخفي استمتاعنا عن الصلحاء، وأننا نتظاهر بأنَّنا نروِّح عن قلوبنا، ونكتم ما في تلك القلوب من حبٍّ محرَّم، ولو أتيح بالحلال فهو لا يليق لفساد ذلك الوسط المحبوب.. وأنَّ قلوبنا مشحونة بالأماني المحرَّمة وأنَّ قلوبنا مستعبدة، وأنَّ ذلك صدَّنا عمَّا حُرِّم علينا هجره وهو القرآن الكريم والذكر الحكيم)، وما أجمل ما قال العلامة المحقق ابنُ القيّم في نونيته:
حبُّ الكتاب وحبُّ ألحان الغناء
في قلب عبدٍ ليس يجتمعان
وخاتمة القول ما كان منْ قول ابن عقيلٍ الذي هو المسك في تعطيره بقوله (فالحمد لله شكراً شكراً الذي أسرع بفيئتي قبل لقائي له، ومنحني التمييز بين مواضع الإحسان والإساءة في تأرجحات عمري المضطربة، فأسأل الله الثَّبات حتى الممات، وحسن الخاتمة..) قلتُ وأنا أحمد الله تعالى لتلك الفيئة وذلك التمييز، وأسأل الله لي ولك الثبات حتى الممات، وحسن الخاتمة، وأنْ يمنَّ علينا برضاه عنَّا في الأولى والآخرة، وأنْ يتجاوز عنَّا بمنَّه وكرمه وفضله وإحسانه ورحمته التي وسعت كل شيء.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق