الخميس، 23 مايو 2013

الاحتكار تأصيل وبيان

جاء الإسلام بتشريع كامل يغني عن جميع الأنظمة والتشريعات البشرية، وبما لا يصادم العقل الذي ميَّز الله به الإنسان، ومن كمال التشريع الإسلامي ومحاسنه أن بيَّن أحكام المعاملات بين الناس، فحرَّم ما فيه ضرر عليهم أو على بعضهم، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) وهذا الحديث قاعدة من القواعد الخمس الكلية الكبرى·
ومن الأشياء التي حرَّمها الإسلام الاحتكار: وهو صورة من صور الطمع والجشع الذي تفشى لدى بعض ممتهني التجارة، كما أنه خلق من الأخلاق الدنيئة، والحكر هو: الحبس· وأصل ذلك في كلام العرب: الحكر هو: الماء المتجمع كأنه احتكر لقلته· قال الجرجاني: الاحتكار: حبس الطعام للغلاء، وقال الإمام الشوكاني: (الاحتكار حبس السلع عن البيع)، وعن معمر بن عبدالله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحتكر إلا خاطئ) أي: إلا آثم وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله بالجذام والإفلاس)· وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (الجالب مرزوق   والمحتكر محروم، ومن احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله بالإفلاس والجذام)، وإن بعض التجار ضعفت نفوسهم، فحبسوا السلع عن الناس لأجل أن يزيد سعرها؛ لينالوا مكاسب أكثر داخلون في الاحتكار الذي نهت عنه الإسلام، وهم آثمون بفعلهم، عليهم التوبة إلى الله من صنيعهم مع عدم العودة إلى ذلك·
وتأتي أهمية المتابعة والمراقبة من قبل الجهات المسؤولة لمن تسوّل له نفسه الاحتكار وذلك حسب توجيهات القيادة الحكيمة وعلى رأسهم الملك العادل خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله – الذي يؤكد على محاسبة ومتابعة من يرفع الأسعار على الناس· وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا حكرة في سوقنا، لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق من الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا، ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده في الشتاء والصيف – كناية عمَّا يلاقيه من الشدة – فذلك ضيف عمر، فليبع كيف شاء الله، وليمسك كيف شاء الله)أي: فعمر يمنعه ممن أراد إجباره على البيع· وإن من فضل الله علينا أننا في بلاد تحكمها شريعة الله، تتمشى مع أوامر الله تعالى، ولا ترضى بكل ما من شأنه الإضرار بالناس برفع الأسعار عليهم عن طريق الاحتكار وغيره، كما أن على التجار في بلادنا المباركة أن يراقبوا الله في تعاملاتهم المالية الخاصة والعامة، وألا يجعلوا للحيل طريقاً يسلكونه للإضرار بالناس· وإن المؤمل في رجال وسيدات الأعمال في بلادنا أن يكونوا قدوة صالحة ومثالاً يحتذي لغيرهم في البلدان الأخرى في الأمانة وفي التعاملات الصادقة الموافقة لشريعة الإسلام، كيف لا يكونون كذلك وهم ينتسبون إلى بلاد هي قبلة المسلمين؟ حماها الله وحرسها من الشرور والفتن آمين· ومن صور الاحتكار: أن يحتكر التاجر أقوات الناس كالأرز والبر والشعير والسكر ونحو ذلك مما هو ضروري في معاش الناس وحياتهم، ليرتفع سعرها وينال ربحاً أكبر· ومن صور الاحتكار أيضاً: احتكار الأراضي من قبل بعض التجار الذين انصرفوا إليها بعدما نالهم ما نالهم من سوق الأسهم الكاسد، فارتفعت أسعار الأراضي ارتفاعاً باهظاً، مما ينبغي معه النظر في هذا الأمر، ومحاسبة المحتكر الذي أضر بالناس، وضيَّق عليهم ليوسع على نفسه، وليغتني زيادة على غناه وهم يفتقرون علاوة على محدودية دخولهم الشهرية، ولقد أصبح المرء حالياً لا يستطيع شراء أرضٍ ليقيم عليها منزلاً له ولأبنائه، فمسألة احتكار الأراضي من قبل بعض التجار تحتاج إلى وقفة سريعة وحازمة من الجهات المسؤولة، كي تعود أسعار الأراضي لسابق عهدها، وتنخفض معها إيجاباً أسعار المنازل، وتنخفض قيمة الإيجارات التي تثقل كواهل المقبلين على الزواج، وكذا الذين لم يستطيعوا تملّك منازل خاصة بهم وهم كثرة فينا، وفي متابعة هذا الأمر والمحاسبة عليه وإعادة الأسعار لوضعها الطبيعي من التخفيف وتفريج الكروب من الناس ما لا يعلمه إلا الله، كما إن لولي الأمر أن يكره المحتكر على بيع ما عنده بقيمة المثل عن طريق التسعير·
والاحتكار خلقٌ سيئ ودليل على دناءة النفس، وقد جاء الوعيد لمن تخلّق بهذا الخلق، كما أنه يسبب الكره والبعد عن الناس، وقاطعٌ للعلاقات الاجتماعية، وعاملٌ من عوامل اضطراب الناس وعدم استقرارهم، وفيه أيضاً مناقضة للإيثار الذي هو لب علاقة المسلم بأخيه· فليحرص من وقع في الاحتكار من التجار ألا يعود إليه وأن يتوب إلى الله ويستغفره، وأن يستحضر دائماً مراقبة الله، فهو خير لهم في دينهم ودنياهم، وبركة في أموالهم، وكمال في أخلاقهم، فالإسلام لم يأمر ولم ينه إلا بما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة، جعلني الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وعفا الله عني وعنكم آمين·


http://www.aldaawah.com/?p=5729

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق